A New Intifada: Governance & Security

إن المقارنة بين المواجهتين الرئيسيتين بين الفلسطينيين والقوات العسكرية الإسرائيلية في العقدين الماضيين تُبين أن قوات أمن السلطة الفلسطينية سوف تستمر على الأرجح في قمع المقاومة الفلسطينية ضد الهيمنة الإسرائيلية في حال اندلاع انتفاضة جديدة. تمثلت المواجهة الأولى في الانتفاضة الثانية (2000-2005)، وتمثلت المواجهة الثانية في انتفاضة الوحدة التي انطلقت في أيار/مايو 2021.
اضطلع العديد من العناصر من مختلف الرتب في قوات أمن السلطة الفلسطينية إبان الانتفاضة الثانية بدورٍ فاعل في المقاومة المسلحة. ورأت تلك القوات في مشاركتها وسيلةً للدفاع عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، مع إيلاء الأولوية لسلامة الشعب الفلسطيني. وردّت إسرائيل بتدمير البنية التحتية لقوات أمن السلطة الفلسطينية تدميرًا تامًا، وشنَّت حملة اعتقالات جماعية لأفرادها، ولا يزال الكثيرون منهم يقبعون في السجون الإسرائيلية حتى تاريخه.

وفي ظل غياب الجهاز الأمني الفاعل والسلطة المركزية القادرة على احتكار وسائل القوة، انزلق المجتمع الفلسطيني إلى حالة من الفلتان الأمني استمرت حتى عام 2007. ولم يُدرِك المجتمعُ الدولي وإسرائيل ضرورةَ تحديث قوات أمن السلطة الفلسطينية من أجل تضييق الخناق على حماس وفصائل أخرى إلا بعد فوز حماس في انتخابات 2006، فقدموا لتلك القوات المزيد من الدعم المالي واللوجستي.

وفي الوقت نفسه، تُرك قطاع العدالة معطلًا إبان الانتفاضة الثانية وبعدها. وكانت القضايا الجنائية والمدنية وقضايا الأحوال الشخصية تُعرَض خارج نطاق السلطة الفلسطينية، ولجأ الفلسطينيون إلى المحاكم العشائرية والمحلية والشرعية. وكما الحال مع بقية مؤسسات السلطة الفلسطينية، أُعيد بناء قطاع العدالة لاحقًا، ومُنحت الأولوية للاحتياجات القانونية الأكثر إلحاحًا، وعلى رأسها الولاية القضائية الجنائية. وعلى الرغم من تقديم الدعم المالي واللوجستي الدولي لتحديث الجهاز القانوني التابع للسلطة الفلسطينية، إلا أن المساعدات الدولية لم تفعل سوى القليل في سبيل الحيلولة دون تحول النظام القانوني في كلٍ من الضفة الغربية وغزة إلى مؤسسة حزبية تخضع فيها التعيينات والترقيات إلى أهواء النخبة السياسية الحاكمة. وهكذا أصبحت سيادة القانون، سواء في تنظيمها الهيكلي أو تطبيقها، خاضعةً للمصالح السياسية.

وفي انتفاضة الوحدة لعام 2021، تبدلت علاقة قوات أمن السلطة الفلسطينية بالمدنيين الفلسطينيين وأصبحت عدائيةً في الغالب. ففي 14 أيار/مايو 2021، نظّم الفلسطينيون في الضفة الغربية ما يزيد على 80 مظاهرة في البلدات الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية ومخيمات اللاجئين، وبالقرب من نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية. وفي اليوم التالي الذي صادَف ذكرى النكبة، اندلعت مظاهرات في الخليل ورام الله ونابلس وقلقيلية وغيرها، واجهتها إسرائيل بقمعٍ متجدد.

وفي رام الله والبيرة، سارَ المتظاهرون من وسط المدينة إلى بيت إيل، وهي مستوطنة إسرائيلية متاخمة لمدينة البيرة، ولم يواجهوا أي مقاومة من القوات الفلسطينية التي كان من المتوقع أن تُوقف تقدمهم بموجب شروط اتفاقية التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والنظام الإسرائيلي. ولكنها تعمدت في هذه المرة أن تتدخل بدرجة أقل، بخلاف الانتفاضة الثانية. ومع أنها حرصت على تحديد هوية المشاركين في المظاهرات، إلا أنها لم تتخذ إجراءات أبعد من ذلك باستثناء حالةٍ أو حالتين. ولكن فور إعلان “وقف إطلاق النار” بين إسرائيل وحماس في أيار/مايو 2021، شنَّت قوات أمن السلطة الفلسطينية حملة اعتقالات جماعية استهدفت المشاركين في احتجاجات الضفة الغربية، بمن فيهم الناشطون المترشحون للانتخابات التشريعية، ومن بينهم أعضاء في حركة حماس وأعضاء في تيار الإصلاح الديمقراطي بزعامة محمد دحلان.

يحرصُ المجتمع الدولي على أن تظلَّ قوات أمن السلطة الفلسطينية ملتزمة بالوضع الراهن. فما انفك يُعيد تشكيلها ويدربها ويجهزها منذ إنشائها وفقًا للأهداف السياسية الدولية. وهكذا تمحورت الحوكمة الأمنية في فلسطين حول مكافحة الإرهاب، وهو مصطلح يشمل أي معترض على النظام القائم. وقد أثبتت هذه الآليات نجاحها بفضل زيادة الاستثمار فيها وزيادة الرقابة الدولية عقب الانتفاضة الثانية.

إنَّ من المستبعد، كما بيَّنت انتفاضة الوحدة، أن تضطلع قوات أمن السلطة الفلسطينية بدور القوة الإصلاحية في النضال الفلسطيني من أجل التحرير، وإنما يُرجَّحُ أن تُعطل وتقمعَ أي تعبئة جماهيرية موجهة نحو قلب الوضع الراهن.

تهاني مصطفى، محللة مجموعة الأزمات الدولية في فلسطين، حيث تعمل على قضايا الحوكمة الأمنية والقانونية والسياسية والاجتماعية. تحمل درجة الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من...
إن المقارنة بين المواجهتين الرئيسيتين بين الفلسطينيين والقوات العسكرية الإسرائيلية في العقدين الماضيين تُبين أن قوات أمن السلطة الفلسطينية سوف تستمر على الأرجح في قمع المقاومة الفلسطينية ضد الهيمنة الإسرائيلية في حال اندلاع انتفاضة جديدة.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
 المجتمع المدني
عكف الفلسطينيون منذ زمن على تأسيس اقتصاد مقاوم في إطار كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني. وتُعدُّ السيادة الغذائية اليوم امتدادًا طبيعيًّا لهذا النوع من المقاومة، حيث ترتكز إلى مبادئ الاكتفاء الذاتي الزراعي المُتبعة على مرِّ تاريخ الثورة الفلسطينية. يتتبع فتحي نمر في هذا الموجز السياساتي نشأةَ السيادة الغذائية والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون اليوم في تفعيلها على الأرض. ويرى أن ذلك سيساعد في تأطير الاقتصاد المقاوم ضمن سياق أنسب، وفي تمهيد الطريق نحو نظامٍ اقتصادي أشد مماحكةً.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 27 أغسطس 2024
Skip to content