تضطلع السلطة الفلسطينية بدورٍ مركزي في الاقتصاد الفلسطيني. وبالرغم من أن سياساتها الاقتصادية أسهمت في ترسيخ اعتماد الضفة الغربية وغزة على إسرائيل – حيث التبعية متأصلة في اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس – إلا أن السلطة الفلسطينية حافظت على الأقل على نظام اقتصادي واحد في الضفة الغربية.
لقد أفضى الانقسام السياسي والمؤسسي بين الضفة الغربية وغزة إلى تقسيم الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصادين، علاقاتهما التجارية محدودة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة ومحدودية الإيرادات المالية التي تجبيها السلطة الفلسطينية من غزة لأن الشركات الكبيرة ذات الفروع في الضفة الغربية وغزة هي فقط التي تدفع الضرائب للسلطة. فضلًا على أن اقتصادَ غزة في غالبيته اقتصادٌ غير رسمي، وينطوي بذلك على نسبةٍ مرتفعة من التهرب الضريبي. ويقترح واقع الحال في غزة بأن انهيار السلطة الفلسطينية سيؤدي إلى تعميق انقسام الاقتصاد الفلسطيني بين الضفة الغربية وغزة.
سيؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى تسريح قرابة 140 ألف موظف في القطاع العام، يعيلون نحو ثلث السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومن ضمنهم 58 ألف موظف في الأجهزة الأمنية. ولا يمكن الاستهانة بتاتًا بتداعيات هذا الانهيار. فمن ناحية، قد تدفع الزيادة الكبيرة في معدلات البطالة والفقر هؤلاء العمال إلى البحث عن عمل في أراضي 1948 أو في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ومن ناحية أخرى، سيستثمر مسؤولو السلطة الفلسطينية الأثرياء إمّا في القطاع الخاص المحلي أو في الأسواق الخارجية. وبذلك سينضب صندوق المعاشات التقاعدية العمومي، ولن يتلقى الموظفون المتقاعدون معاشاتهم التقاعدية التي هم بأمس الحاجة إليها.
سوف يكون لانهيار السلطة الفلسطينية أيضًا تداعيات كارثية على حصول الفلسطينيين على المنافع الأساسية. فبالرغم من أن معظم المنافع العامة، بما فيها إمدادات الماء والكهرباء، تأتي من النظام الإسرائيلي، فإن السلطة الفلسطينية هي المستورد الحصري للوقود في الضفة الغربية وغزة. وإذا انهارت السلطة، سيحدثُ نقص في المشتقات النفطية في المدى القصير، إلا أن النظام الإسرائيلي سيطبق آليات لتزويد الوقود لتفادي أي انتفاضة سياسية.
لن تدخرَ إسرائيلُ جهدًا في استدامة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لتجنب نشوب المقاومة الشعبية. وللغرض ذاته، سوف يستمر المانحون الدوليون على الأرجح في تمويل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المحلية والبلديات. ومن شأن تدفق المساعدات أنْ يُرسخَ اعتمادَ الفلسطينيين على المساعدات الدولية ويُخضِعهم لسياسات المانحين.
وفي غياب هيئة فلسطينية مركزية، ستعود الإدارة المدنية الإسرائيلية كمشرف مباشر على النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الضفة الغربية، ولتنسيق الاقتصاد المحلي. وقد قامت الإدارة المدنية مؤخرًا بالفعل بإشراك منتجين فلسطينيين في مشاريع مشتركة، وقدمت دعمًا مشروطًا للزراعة الفلسطينية في المنطقة (ج) بالضفة الغربية.
وختامًا، سوف تكتسب الطبقات الاجتماعية الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، بما في فيها التجار والعاملين في المنظمات غير الحكومية، فرصًا في ظل غياب السلطة الفلسطينية، بما في ذلك من خلال السعي لتولي مناصب سياسية. وستكون الحال مشابهةً لمبادرة إسرائيل في سبعينات القرن الماضي لإيجاد ممثل بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال روابط القرى والتي بموجبها اعترفت إسرائيل بالتعاونيات الزراعية وعززت قدرتها على فض النزاعات على المستوى القروي، ثم قامت فيما بعد بتمويل بعض القرى وتزويدها بالأسلحة. إن إعادة طرح فكرة الاقتصاد المحلي بالتعاون مع المؤسسات المحلية والمنظمات غير الحكومية سيؤدي إلى إحياء روابط القرى، ولكن بقوة اقتصادية هذه المرة بدلا من القوة العسكرية. وبعبارة أخرى، سوف تُعطى القيادةُ السياسية المحلية القوةَ الاقتصادية والسياسية لاستدامة الجهود الإسرائيلية لإرضاخ الفلسطينيين.
وتجدر الإشارة إلى أن قوةُ منظمة التحرير الفلسطينية، ومقاومتها، وتمثيلها الواسع للفلسطينيين في فلسطين والشتات، ووحدة الفلسطينيين في فلسطين في عقد السبعينات شكَّلت العناصرَ الأساسيةَ لهزيمة المخطط الإسرائيلي لاستبدال روابط القرى بمنظمة التحرير. وهكذا، سيكون من الضروري أن يُعاد بناء التمثيل السياسي الفلسطيني وتعزيزه لهزيمة هذه المخططات.