فشلت المؤسسة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها في حماية الفلسطينيين من الاحتلال العسكري الإسرائيلي وهو المصدر الرئيس لانعدام أمنهم. وبدلًا من تمكين الفلسطينيين من مقاومة هذا الاحتلال، ساهمت السلطة الفلسطينية في تجريم النضال الفلسطيني من أجل الحرية.
- تعود هذه الدينامية إلى اتفاقات أوسلو لعام 1993، ولكنها اشتدت في العقد الماضي بتطور السلطة الفلسطينية إلى "دولة" تحركها الجهات المانحة. وقد استَحدثت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بعد تعزز فاعليتها بسبب استثمارات المانحين الهائلة فيها وسائلَ جديدة لحماية المحتل الإسرائيلي، وأوجدت بالتالي مساحات "مؤمَّنة" يستطيع المحتل أن يتحرك بحريةٍ فيها تنفيذًا لمشروعه الاستعماري.
- يتسنى لإسرائيل بفضل تعاونها الأمني مع السلطة الفلسطينية أن تحققَ تطلعاتها الاستعمارية بينما تدَّعي سعيها لإحلال السلام. وهذا يتجلى في قيام أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقال الفلسطينيين المشتبه فيهم المطلوبين إسرائيليًا، وقمع الاحتجاجات الفلسطينية ضد الجنود الإسرائيليين و/أو المستوطنين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
- سوف يكون التغيير صعبًا لأن النظام أوجدَ فئةً في المجتمع الفلسطيني تسعى للإبقاء عليه. تضم هذه الفئة عناصرَ الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتضم الفلسطينيين المتنفعين من الترتيبات المؤسسية ومن شبكة التعاون والهيمنة. ومع ذلك فإن التغيير ليس مستحيلًا.
توصيات سياساتية
يجب على السلطة الفلسطينية أن تأخذ خطواتٍ تدريجيةً، ولكن حاسمة، باتجاه تجميد التنسيق الأمني مع إسرائيل أو تعليقه، ومنها وضع حدٍ لتدخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المسائل السياسية، وتخفيض المخصصات الأمنية في الموازنة السنوية، وتسريح قطاعات من جهاز الأمن وإعادة هيكلة ما يتبقى منها.
يجب على منظمات المجتمع المدني الفلسطينية أن تشكِّل تحالفات أكثر فاعلية وأن تكثف جهودها الرامية إلى محاسبة السلطة الفلسطينية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان. ولا بد للمجتمع المدني أيضًا من التصدي لخطاب السلطة الفلسطينية الذي يُجرِّم المقاومة الفلسطينية على اعتبارها تمردًا أو عدم استقرار، ومن التدقيق في الجهات الفاعلة الخارجية، كمكتب التنسيق الأمني الأمريكي، التي تهيمن على قطاع الأمن في السلطة الفلسطينية دون مساءلة أو شفافية.
ينبغي لواضعي السياسات في الدول المانحة وللفلسطينيين الذين ييسرون تنفيذ برامج المانحين أن يتصدوا لمسألة "المعونة المؤمننة" أو "المساعدات المدفوعة أمنياً" وكيف حولت حركةَ تحررٍ إلى متعاقدٍ من الباطن مع المستعمر، وأدت إلى سلطوية واستبداد في السلطة الفلسطينية.