يساهم الحصار والاحتلال العسكري الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة في تدهور النظام الصحي الفلسطيني وتراجع قدرته على التخفيف من الآثار الوخيمة لجائحة كوفيد-19. ولا تفي إسرائيلُ، كقوة احتلال، بمسؤولياتها المقرَّة بموجب القانون الدولي الإنساني إزاء الفلسطينيين كتوفير الرعاية الصحية، وإنما ظلت تساهم في تخلُّف القطاع الصحي الفلسطيني، وتعوق مبادرات الفلسطينيين للاستجابة إلى الجائحة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
تندرج تحت القسم الثالث من اتفاقية جنيف الرابعة موادُ عديدةٌ تصف مسؤوليات قوة الاحتلال تجاه المدنيين في الأراضي المحتلة. وقد أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في فلسطين، مايكل لينك، في وقت سابق إلى أن إسرائيل تنتهك التزاماتها الدولية إزاء حق الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال في الرعاية الصحية ’انتهاكًا صارخًا‘." فقد أدى الحصار الإسرائيلي والهجمات المستمرة على قطاع غزة إلى نقص الغذاء والكهرباء والمستلزمات الطبية بما فيها أجهزة التنفس الصناعي التي لا غنى عنها في إبراء المرضى. أمّا في الضفة الغربية، باتت السلطة الفلسطينية عاجزةً عن تمويل قطاعها الصحي المتداعي بسبب فقدان الأرض المستمر، وقلة التمويل، والقيود الإسرائيلية الصارمة المفروضة على الواردات والصادرات.
سبقَ تخلفُ القطاع الصحي الفلسطيني وقوعَ الجائحة، وأفضى إلى تدهور صحة الفلسطينيين، وجعَلَهم معرضين بوجه خاص للإصابة بالأعراض الحادة المصاحبة لكوفيد-19. وبالإضافة إلى ذلك، أخفقت السلطة الفلسطينية إلى حدٍ كبير في الاستجابة إلى الجائحة بسبب محدودية استثمارها في قطاعها الصحي وبسبب البنية التحتية التي شيدتها إسرائيل لممارسة الفصل العنصري والمتمثلة في إقامة نقاط التفتيش، والمعابر الحدودية، والجدار الفاصل، ونظام التصاريح الذي وافقت إسرائيل بموجبه في 2019 على 64% فقط من طلبات التصاريح الطبية المقدمة من غزة، و81% من الطلبات المقدمة من الضفة الغربية. ولمَّا أوقفت السلطة الفلسطينية التنسيق المدني مع إسرائيل كردٍ على خطة الضم في ربيع 2020، وافقت إسرائيل فقط على نصف طلبات التصاريح الطبية العاجلة المقدمة من غزة.
وبخصوص المساعدات الإسرائيلية المقدمة للفلسطينيين أثناء الجائحة، قال السفير الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، داني دانون، إن على الفلسطينيين أن يختاروا. فإذا أرادوا استمرار المساعدات لمكافحة فيروس كورونا، عليهم التوقف عن التحريض. وبعبارة أخرى يجب على الفلسطينيين إثباتُ أنهم يستحقون المساعدات، دون انتقاد تصرفات الحكومة الإسرائيلية وإلا اتُهموا بالتحريض ومعاداة السامية. وعلاوةً على ذلك، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في نيسان/أبريل 2020 إلى أن الإغاثة المقدمة لغزة ستكون مشروطة باستعادة رفات جنديين إسرائيليين فُقدا إبان حرب 2014.
وفضلًا على هذه السياسات القاسية، عرقلت إسرائيلُ الجهودَ الفلسطينية المبذولة للتصدي للجائحة. فلم تكتف، على سبيل المثال، بمداهمة أحد مراكز فحص كوفيد-19 في سلوان، بل اعتقلت القائمين عليه أيضًا لمنع "أي نشاط للسلطة الفلسطينية في القدس." وكمثال آخر، لا تخدم السلطات الإسرائيلية مناطق مثل كفر عقب، التي تقع عمليًا ضمن الحدود التي رسمتها إسرائيل ولكن وراء الجدار الفاصل، وفي الوقت نفسه تحظر نشاط السلطة الفلسطينية في تلك المناطق، ليغدو الفلسطينيون القاطنون هناك بلا خدمات حكومية. وفي الضفة الغربية، استمرت التوغلات والمداهمات العسكرية الإسرائيلية بالإضافة إلى هدم المنازل المتكرر، ما أثار مخاوف السكان الفلسطينيين من احتمال أن يكون الجنود الإسرائيليون الذين يدخلون منازلهم أو يعملون في نقاط التفتيش مُصابين.
وفي ضوء تدهور القطاع الاقتصادي الفلسطيني، ولا سيما منذ تفشي الجائحة، سعى فلسطينيون كُثر من الضفة الغربية إلى العمل داخل إسرائيل، أما الفلسطينيون في غزة فلا يحصلون عادةً على تصاريح عمل. وتبلغ نسبة الفلسطينيين من العاملين في قطاع الإنشاءات الإسرائيلي نحو 70%. ويتعامل الكثير من هؤلاء العمال مع إسرائيليين مصابين، ثم يجلبون الفيروس معهم عند عودتهم إلى منازلهم في الأرض الفلسطينية المحتلة. وفي غياب الخدمات الصحية اللازمة لتشخيص الإصابة بالفيروس وعلاجها، تتضاءل حظوظ الفلسطينيين في وقف تفشي الوباء بفاعلية.
تندرج النقاط التالية ضمن المقتضيات اللازمة للاستجابة إلى الأزمة الصحية في فلسطين إبان جائحة كوفيد-19:
- يجب على القيادة الفلسطينية أن تتبنى "نهج التعاون والتمكين المجتمعي" الذي يُلبي احتياجات الفلسطينيين.
- يجب على إسرائيل أن تُطلِق سراح الأسرى السياسيين الفلسطينيين، ولا سيما المسنون والمصابون بأمراض مزمنة، وأن تُحسِّنَ ظروف احتجاز أولئك الذين يقضون عقوبات.
- لا بد من التوصل إلى حلٍ عادل لوضع اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يكون من ضمنه العودة، ولا بد أيضًا من إعمال حقوق اللاجئين في الدول المضيفة، من أجل حماية هذا الشعب المهمَّش المتضرر من الجائحة على نحو غير متناسب.
- يجب على إسرائيل أن ترفعَ الحصار عن غزة، وأن تسمحَ تحديدًا بدخول المستلزمات الطبية والمواد الإنشائية اللازمة لبناء المرافق الصحية، وأن تسمحَ بدخول الطواقم الطبية لدعم مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة التي تعاني نقصًا في عدد العاملين الطبيين.
- يجب على المجتمع الدولي أن يضغطَ على إسرائيل كي تبذل كلَّ ما بوسعها للوفاء بالتزاماتها كقوة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة تجاه الشعب الفلسطيني المحتل.