مضت 42 سنةً منذ قضى ستةُ فلسطينيين مواطنين في إسرائيل نحبَهم برصاص الشرطة الإسرائيلية أثناء احتجاجهم على مصادرة أراض فلسطينية. ولم تقتصر الاحتجاجات الشعبية على مصادرات الأراضي، وإنما طالت سياسات إسرائيل العامة الموجهة نحو محو الوجود الفلسطيني. وغدا تاريخ 30 آذار/مارس 1976 يُعرف منذ ذلك الحين باسم يوم الأرض. وفي هذا العام، يكتسب يومُ الأرض أهميةً إضافية إذ يصادف الذكرى السبعين للنكبة. "مسيرة العودة الكبرى" التي نُظمت في غزة الشهر الماضي هدفت إلى تخليد يوم الأرض وربطه بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. وحقيقةُ أن عددَ من سقطوا في مسيرة هذا العام يفوق بثلاثة أضعاف عددَ الذي قضوا في أول نسخةٍ من يوم الأرض تُبرزُ كيف أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تُعدُّ تهديدًا اليوم كما كانت قبل أربعة عقود.
النتيجة الرئيسية لمشاريع الاستعمار الاستيطاني تتمثل في إعادة ترتيب الحيز المكاني وإعادة توزيع السكان الأصليين في إطار عملية إعادة هيكلة مقصودة وعنيفة تمهِّد لإنشاء مجتمعٍ جديد بتنظيم اجتماعي ومكاني جديد. فقد طردَ الصهاينةُ في العام 1948، في إطار مشروع استعماري استيطاني، 750,000 فلسطيني. أمّا الذين بقوا في أرضهم، وهم 150,000 فلسطيني، فقد اضطرت إسرائيل إلى استيعابهم كمواطنين، ولكن ظلت تقصيهم على أساس أنهم ليسوا يهودًا.
استخدمت إسرائيل في السنوات الأولى بُعيد 1948 آلياتٍ مختلفةً للاستيلاء على الأراضي، بما فيها التدابير التشريعية. وما برحت إسرائيل تبرر استيلاءها على الأراضي بأنه لخدمة المصلحة العامة والمحافظة على الطابع اليهودي للدولة.
طبقت الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية في 1967 آلياتٍ "قانونيةً" وأوامرَ عسكريةً لتيسير استعمار الأراضي الفلسطينية، مثل مصادرة الأراضي بذريعة الأمن التي استولت إسرائيل بموجبها على أراضٍ لبناء ما لا يقل عن 42 مستوطنة. وتطبيق القانون العثماني وقانون الانتداب الإنجليزي الذي يسمح للدولة بمصادرة الأرض "لغرض عام".
نشهد اليوم تسارعًا رهيبًا في مصادرة الأراضي الفلسطينية. وقد تجلت هذه الأزمة مؤخرًا بسبب المناورات السياسية في القدس حيث عكفت الحكومة الإسرائيلية على استغلال تجاهل الإدارة الأمريكية الصارخ للقانون الدولي. فقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أعطى الجرأة لإسرائيلَ كي تعزز سيطرتها الكاملة على المدينة.
دأب الفلسطينيون على مواجهة هذه النكبة المستمرة بالانخراط فيما اصطلحَ البعض على تسميته بالمقاومة المكانية – وهي ممارسات تؤكد الوجود الفلسطيني واستمراره على الأرض وتتحدى الاستعمار الإسرائيلي. ومن أمثلتها إقامة "قرى" الخيام الفلسطينية وتأكيد المِلكية الفلسطينية للأرض، والتصدي لمحاولات مصادرتها المستمرة، والمحافظة على وجود فلسطيني – دائم أو مؤقت – في مواقع القرى المدمرة.
توصيات سياساتية
ينبغي أن يواصل الفلسطينيون المنخرطون في الأنشطة والفعاليات الشعبية الربطَ بين الكفاحات المحلية والدعوةَ إلى التنسيق عبر جانبي الخط الأخضر. ينبغي أن يطالب الفلسطينيون أيضًا بدعم هذه الأنشطة وحمايتها دوليًا ومن أطراف ثالثة. وينبغي للجهات الدولية الفاعلة التي استثمرت في البنية التحتية الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل أن تطالبَ بالتعويض المالي.
يجب أن تستخدم الدول الثالثة جميع التدابير الممكنة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية كما عرفها القانون الدولي، بما في ذلك دعم الشكاوى المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية بخصوص ارتكاب جرائم حرب، كالشكوى التي رفعتها منظمات المجتمع المدني الفلسطينية في 2017، والمطالبة بإجراء تحقيق واسع ورسمي في الانتهاكات الإسرائيلية، كالذي دعت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش في 2016، وسنّ العقوبات وإنفاذها – وهي آلية استُخدمت ضد روسيا على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم.
ولا بد من بذل الجهود لتحدي السرقات الإسرائيلية للممتلكات والأراضي بأثر رجعي حتى العام 1948. وينبغي أن يضطلع الفلسطينيون بجهدٍ جماعي لإجراء البحث حول مطالباتهم وصياغتها انطلاقًا من الموارد المتوفرة وبناءً عليها.