يُقرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في العام 1948 بالحق في الصحة والرفاهة بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بظروف معيشية صحية، وحق الأفراد في اتخاذ القرارت الخاصة برعايتهم الصحية. غير أن هنالك حواجز سياسية ظلت لعقودٍ تعوقُ النظام الصحي الفلسطيني، وتحول دون إعمال تلك الضمانات.
إن المقاربتين الإسرائيلية والدولية في التعامل مع حق الإنسان الفلسطيني في الرعاية الصحية تجعلان منه حقًا مشروطًا لأنه لا يُمنَح للفلسطينيين إلا إذا أذعنوا لِما تعتبره إسرائيل حلًا مقبولًا لِما تمارسه عليهم من قمع واحتلال منذ ما يزيد على 70 سنة. ولهذا تداعيات مباشرة على صحة الفلسطينيين من حيث نوعية الحياة ومعدل الوفيات.
أُنشئ النظام الصحي النافذ حاليًا في الأرض الفلسطينية المحتلة في 1994 كجزء من اتفاقات أوسلو. وتتباين نوعية الخدمات الصحية بحسب قدرة المرفق الصحي على الحصول على الموارد واستدامة إمداداته من الماء والكهرباء.
تقل أعمار الفلسطينيين عن الإسرائيليين بمعدل 10 سنوات، بينما تفوق معدلات وفيات الأمهات والرضع لدى الفلسطينيين معدلات الإسرائيليين بأربعة إلى خمسة أضعاف. فضلًا على أن الإسرائيليين يحصلون على لقاحات لا يحصل عليها الفلسطينيون في العادة، مثل لقاح جدري الماء والالتهاب الرئوي. يواجه الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل أيضًا وضعًا أسوأ مقارنةً بالمواطنين اليهود، حيث ترتفع لديهم معدلات الأمراض المزمنة.
لقد أدى الحصار المفروض على قطاع غزة إلى تدني المخرجات الصحية مقارنةً بالضفة الغربية وإلى انخفاض نسب أَسِرِّة المستشفيات والممرضين والأطباء. وثمة نقص في المستلزمات والأدوية الأساسية في غزة وهذا ما يُعزى عمومًا إلى عوامل سياسية.
بالرغم من قدرة المرافق الخاصة المتخصصة في الأرض الفلسطينية المحتلة في معظم الأحيان على استيراد معدات التشخيص المتطورة، إلا أن العديد من الفلسطينيين لا يستطيعون تحمل نفقات هذه الخدمات، أو أن هذه المعدات تقبع متعطلة بسبب صعوبات الحصول على التراخيص اللازمة لاستيراد قطع الغيار. وفي حين أن المستشفيات الحكومية تستطيع أن توفِّر الخدمات لعدد أكبر من المواطنين، إلا أنها تفتقر هي الأخرى إلى الموارد الكافية لشراء المعدات الطبية أو تحديثها.
يواجه الفلسطينيون الراغبون في ممارسة الطب صعوبات بسبب سياسات الاحتلال. وتقل فرص الالتحاق بالتعليم الطبي بسبب قلة الكليات الطبية وبسبب الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فضلًا على أن هجرة العاملين في المجال الطبي تمثِّل مشكلةً حقيقية للفلسطينيين، حيث يهاجر الأطباء الفلسطينيون بحثًا عن فرص أفضل للتدريب والعمل.
تُضطر سيارات الإسعاف في الضفة الغربية إلى اجتياز نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية وإغلاقات الطرق وغيرها من القيود المفروضة على الحركة. في حين أن استصدار تصريح طبي في الضفة الغربية وقطاع غزة لتلقي رعاية صحية متقدمة في إسرائيل أو دولة مجاورة يعدُّ عمليةً معقدة واعتباطية.
تواصل القوات الإسرائيلية اعتداءاتها المستمرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية في الأرض الفلسطينية المحتلة رغم ما يقره القانون الإنساني الدولي من حماية مُغلَّظة للرعاية الصحية في مناطق الصراع. ولم يفلح المجتمع الدولي في منع هذه الهجمات.
تتحمل مؤسسة الحكم الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة شيئًا من المسؤولية عن حرمان الفلسطينيين الرعايةَ الصحية. فعلى سبيل المثال، حَدَت الأزمة المالية في 2017 بحكومة السلطة الفلسطينية إلى وقف برنامجٍ كان يوفر منذ العام 2000 التأمينَ الصحي للمواطنين العاطلين عن العمل. يزداد الوضع سوءًا أيضًا مع تقليص التمويل الأمريكي. بالإضافة إلى أن نصيب قطاع الصحة من موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2018، والتي بلغت 5 مليارات دولار، لم تتجاوز 9% فقط. ويتسبب الاقتتال بين حماس وبين السلطة الفلسطينية في تردي المخرجات الصحية.
إن الارتقاء بالصحة الفلسطينية وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية لن يكون ممكنًا إلا من خلال معالجة الأوجه الأساسية لعدم المساواة والعنف اليومي الذي يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي.
توصيات سياساتية:
- يجب على السلطة الفلسطينية تخصيص المزيد من الموارد للرعاية الصحية.
- يجب على الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وغيرها أن تطالبَ بوصول جميع السلع الإنسانية إلى الفلسطينيين وصولًا كاملًا وغيرَ منقوص. ويجب على السلطة الفلسطينية أيضًا أن تضمن حصول المواطنين، ولا سيما في غزة، على ما يحتاجونه من أدوية وسلع أخرى حفاظًا على صحتهم.
- ينبغي إنشاء وكالة مستقلة لمراقبة أنشطة السلطة الفلسطينية ومحاسبة الأفراد عن ممارساتهم الفاسدة.
- لا بد من وضع استراتيجيات تحد من حاجة المرضى للسفر إلى خارج البلاد للحصول على الرعاية. فبوسع التعليم الطبي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة أن يسدَّ النقصَ في أعداد الأطباء والممرضين مع التركيز على برامج للفلسطينيين الراغبين في الإقامة والممارسة داخل الأرض الفلسطينية. ويمكن أيضًا تشجيع الفلسطينيين في الشتات على تقديم التدريب أو المناوبات السريرية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
- ينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تنظمَّ حملةَ ضغط لحمل إسرائيل على إصلاح نظامها غير الشفاف للتصاريح الطبية.
- يجب على السلطات الإسرائيلية أن تبررَّ كل حالات حرمان المرضى الفلسطينيين أو سيارات الإسعاف من المرور عبر نقاط التفتيش بموجب نظام شفاف يراجعه مفتشٌ خارجي.
- يجب على الأطراف كافة، من منظمات العمل الإنساني إلى الدول التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، أن تطالب بتحقيقات تامة ومستقلة في الهجمات التي تستهدف الرعاية الصحية دون أوامر مباشرة من السلطات الإسرائيلية.