اقرأ/ي الورقة كاملةً
ملخص تنفيذي
اندثار القطاعات الإنتاجية الفلسطينية: التجارة الداخلية كنموذجٍ مصغَّر لتأثير الاحتلال
يشوه الاحتلالُ الإسرائيلي هيكلَ الاقتصاد الفلسيطيني بشلّه قطاعاتَه الإنتاجية، بما فيها الزراعة والإنشاءات والصناعة التحويلية، ويذَرُها عاجزةً عن المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني وتشغيل اليد العاملة. وقد أدى ذلك إلى هيمنة التجارة الداخلية على الاقتصاد الفلسطيني، أي تجارة السلعِ بالتجزئة والجملة، بما في ذلك مع إسرائيل. وهذه الهيمنةُ نتيجةٌ مباشرةٌ للاحتلال العسكري الإسرائيلي، الذي تسبب في اعتمادِ فلسطين اقتصاديًا على إسرائيل منذ العام 1967.
يتناول هذا الموجزُ التجارةَ الداخلية كنموذجٍ مصغر للاقتصاد الفلسطيني، ويُبرزُ انعدام جدوى الدعم الدولي ودعم المانحين للتنمية الفلسطينية في ظل الاحتلال. ويدعو المؤسسات المالية الدولية والمجتمع الدولي إلى دعم الاقتصاد الفلسطيني في تقرير مصيره من خلال تمكين صنع السياسات الفلسطينية المستقلة والشفافة والمسؤولة والجماعية خارج إطار قيادة السلطة الفلسطينية الفاشلة.
تُظهر بيانات الحسابات القومية الصادرة من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن التجارة الداخلية تلعبُ دورًا رئيسيًا متناميًا من حيث مساهمتها في إجمالي القيمة المضافة في فلسطين (أيّ في الناتج المحلي الإجمالي)، حيث بلغت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني 22% ( 3.6 مليار دولار) في العام 2018. ويعكس هذا الواقع تبعيةَ الاقتصاد الفلسطيني واعتماده على إسرائيل، وهي علاقةٌ أخذت تتفاقم منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005) التي انكمشت بعدها جميعُ القطاعات الاقتصادية الفلسطينية تقريبًا.
وعلاوةً على ذلك، ظلَّ قطاعُ التجارةُ الداخلية منذ طفرة الائتمان الخاص في 2008 أكثرُ القطاعات الاقتصادية نصيبًا من التسهيلات الائتمانية والقروض، حيث تراوحت النسبة بين 20-25% من إجمالي الائتمان الممنوح للقطاع الخاص. وقد ازداد حجم الائتمان المقدم لأنشطة التجارة الداخلية من نحو 300 مليون دولار في 2008 إلى 1,350 مليون دولار في 2019، بزيادةٍ بلغت حوالي 350% في غضون عشر سنوات. وهذا يوجِّه ضربةً خطيرةً للقطاعات الإنتاجية الفلسطينية. ولكي نفهمَ كيف نتج هذا الواقع لا بد من دراسة التاريخ الاقتصادي الفلسطيني من حيث التشوهات الهيكلية التي أحدَثها الاحتلالُ الإسرائيلي، وعلاقةِ التبعية التي نشأت جراء السياسات الاقتصادية الاستعمارية الإسرائيلية المطبَّقة منذ احتلالها فلسطين عام 1967.
طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، انتقلت الموارد الطبيعية (مثل الأرض، والمياه، والمعادن)، والبضائع غير الجاهزة، والموارد البشرية (اليد العاملة) من الطرف الفلسطيني إلى الاقتصاد الإسرائيلي - المركز، بينما انتقلت البضائع تامة الصنع من الاقتصاد الإسرائيلي إلى الاقتصاد الفلسطيني. وهذا يعكس اعتمادَ الاقتصاد الفلسطيني الراسخ على إسرائيل، الأمر الذي لم يتغير بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في 1994. بل على العكس، بلغ العجزُ التجاري ذروته عند 5.5 مليار دولار في 2019، مدفوعًا بتدفق المساعدات الدولية ووفرة الائتمان بعد الانتفاضة الثانية، ويُعزى 55% من ذلك العجز إلى التجارة مع إسرائيل. ومنذ تأسيس السلطة الفلسطينية، اعتمدت التجارة الفلسطينية على إسرائيل فيما متوسطه 75% من وارداتها و80% من صادراتها.
تبرهن هذه الاتجاهات على أن تجارةَ البضائع الإسرائيلية قد غدت تدريجيًا النشاطَ الاقتصادي الرئيسي في الضفة الغربية وغزة، وهو واقعٌ خطَّط له النظامُ الإسرائيلي. فقد كانت بعض الأوامر العسكرية الأولى التي أصدرتها إسرائيل اقتصاديةً في طابعها، إذ تسببت في إغلاق كافة المصارف العاملة في الضفة الغربية وغزة، وفرضت شبكةً معقدة من الإجراءات الإدارية والقيود على منح التصاريح لا تزال ساريةً إلى يومنا هذا. وبسبب تلك القيود، بات من شبه المستحيل على الفلسطينيين أن يُنشئوا أعمالًا تجارية أو يستوردوا آلات جديدة، بما في ذلك لأغراض البناء والإنشاءات. غير أن ذلك لم يمنع أصحابَ المنشآت الاقتصادية الكبيرة ورؤساء الغرف التجارية في المدن الفلسطينية من جني ثروات بفضل الاحتلال.
لقد أدَّت هيمنة التجارة الداخلية في الاقتصاد الفلسطيني إلى الابتعاد عن النشاط الإنتاجي، والتوجه نحو الأنشطة التي توفر مساحةً أقل للتنمية والتحول الاقتصادي. وهذا الاتجاه يمكن إيقافه وعكسه، إذا عملت المؤسسات المالية الدولية، بما فيها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك المجتمع الدولي ووكالات المعونة بعمومها، بالتوصيات التالية لدعم حق الاقتصاد الفلسطيني في تقرير المصير:
- إدراكُ أنَّ العلاقةَ بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي تُقوِّض كلَّ جهود التنمية في الاقتصاد الفلسطيني.
- توفير المساعدات الدولية المباشرة لدعم المزارعين الفلسطينيين في المناطق المهددة بالضم.
- ممارسة الضغط على النظام الإسرائيلي لتيسير إصدار التراخيص في المنطقة (ج)، بما فيها تراخيص تشييد المباني السكنية والتجارية.
- تمكين صناعة السياسات الفلسطينية المستقلة من خلال دعم مراكز البحوث المستقلة والباحثين المستقلين والنقابات العمالية وممثلي الفئات المغيَّبة في العادة عن عملية صنع القرار، مما يشمل النساء والشباب واللاجئين.
- ممارسة الضغط على الحكومة الاسرائيلية لِتُنهي احتلالها لكي يتولى الفلسطينيون السيطرةَ على سياساتهم الاقتصادية.
إدراكُ أن إنهاءَ الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي أيضًا إلى ازدهار القطاع الخاص الفلسطيني.