من خلال عملية جمع المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت وتحليله ومشاركته مع العموم، يكشف محللو استخبارات المصادر المفتوحة معلومات استخبارية حساسة كانت ذات يوم حِكرًا على السلطات الرسمية. فإن اللامركزية التي تتميز بها عملية جمع استخبارات المصادر المفتوحة تتيح فرصةً فريدةً للفئات المهمشة والمضطَّهدة لتفنيد الروايات التي تروِّجها الحكومات ووسائل الإعلام الرئيسية وذلك إحقاقًا للحق والعدالة. ومع ذلك، وفي حين أن تبادل استخبارات المصادر المفتوحة يشكِّل مصدرًا فريدًا للمعلومات من أرض الواقع للصحفيين، فإن الأنظمة الاستبدادية قد سارعت هي الأخرى إلى تسخير هذه التكنولوجيا الجديدة لخدمة مآربها القمعية. وخيرُ مثال لذلك فلسطينُ المستعمرة.
تتناول هذه الورقة السياساتية النضالَ الفلسطيني من أجل التحرير ضمن سياق الانتشار العالمي لاستخبارات المصادر المفتوحة، وتشرح كيف تُستَخدم هذه الاستخبارات كأداة تحررية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وكوسيلةٍ لممارسة قمعٍ أكثر على الفلسطينيين من خلال ترويج الروايات الإسرائيلية الزائفة. تقترح هذه الورقة السياساتية على الفلسطينيين وقيادتهم وحلفائهم خطواتٍ عدةً من أجل تسخير الإمكانات الكامنة في استخبارات المصادر المفتوحة كأداة للتحرير وتذليل المخاطر التي يفرضها أولئك المُصرّون على استخدامها كسلاح.
في 11 أيار/مايو 2022، أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص على المراسلة المعروفة في قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، وأردتها قتيلةً أثناء تغطيتها مداهمةَ تلك القوات مدينةَ جنين المحتلة. وبسرعةٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتشر خبرُ اغتيال أبو عاقلة مشفوعًا بالتسجيلات التي وثَّقت لحظةَ إطلاق القوات الإسرائيلية النار عليها بالصوت والصورة. ولولا الأدلة المستمدة من استخبارات المصادر المفتوحة، لكان الاعتقاد العام حول حقيقة مقتل أبو عاقلة قد استندَ إلى نتائج تحقيق تجريه إسرائيل نفسها. أمّا اليوم، فإن استخبارات المصادر المفتوحة تمنح الفلسطينيين أداةً قيِّمةً، حيث مثَّلَ التحقيق المشترك الذي أجرته فِرق استخبارات المصادر المفتوحة حول العالم في مقتل أبو عاقلة إنجازًا باهرًا بالنظر إلى انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الفلسطينيين الرقمية وتضييقها على منظمات حقوق الإنسان.
ومع ذلك، ثمة مشاكل بيِّنة لا تزال تُهدد القدرات التحريرية التي توفرها استخبارات المصادر المفتوحة. أولًا، أظهر التحقيق في مقتل أبو عاقلة أن الفلسطينيين لا يزالون معتمدين كثيرًا على حسن نية محللي استخبارات المصادر المفتوحة في الخارج الذين لا يواجهون قيودًا في الوصول إلى مقوِّمات شبكة الإنترنت التي يعتمدون عليها - وهي المقوِّمات التي يُحرَمُ منها الفلسطينيون معظم الوقت. ثانيًا، يسعى محللو استخبارات المصادر المفتوحة الإسرائيليون إلى قمع الجهود المبذولة لكشف الحقيقة وذلك بترويج "الهسبرة" - الأجندة الرسمية الإسرائيلية الهادفة إلى إخفاء الجرائم الإسرائيلية وتشويه حقيقة احتلالها العسكري وسياسات الفصل العنصري.
هناك العديد من حسابات استخبارات المصادر المفتوحة مثل حساب أرورا إنتل ورادار إسرائيل وإيلينت نيوز التي تستمد الكثير من معلوماتها دون تمحيص من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتُسهِبُ في تغطية عمليات المقاومة المسلحة الفلسطينية، وتُقصِّر في تغطية العنف البنيوي الإسرائيلي المستشري. وهكذا تُروِّجُ تلك الحسابات الدعايةَ الإسرائيلية وتشوِّه الرواية العامة وتُغطي على جرائم الحرب الإسرائيلية بدلًا من أن تكون مصادر موضوعية للمعلومات.
نظريًا، ينبغي أن يكون محللو استخبارات المصادر المفتوحة الفلسطينيون قادرين على التصدي لحملات الإعلام الكاذب الإسرائيلية من خلال عرض الحقيقة على الجمهور العالمي. غير أن حياة الفلسطينيين على الإنترنت لم تسلم هي الأخرى من الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي الذي يمارس رقابةً صارمة عليهم ويفرض حواجز تعرقل وصولهم عبر الشبكة. فضلًا على أن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي المتطور قد أعطى النظام الإسرائيلي قوةً ناعمةً وعلاقةً لا نظير لها مع عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أن على الفلسطينيين هذه المرة أيضًا أن يعتمدوا على المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على ما تمارسه من رقابة وحجب المحتوى وانتهاك الخصوصية.
استخبارات المصادر المفتوحة بمفردها لن توقف جرائم الحرب الإسرائيلية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ولن تضمن المحاسبة، ولكن يمكن استخدامها لفضح الجرائم الإسرائيلية وبالتالي كأداة تحريرية سعيًا لتحقيق الشفافية والردع والعدالة. بشكل أساسي، ينبغي للفلسطينيين أن يكونوا قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت على نحو موثوق حيثما كانوا. ولا بد لمنظمات حقوق الإنسان، والقيادة الفلسطينية، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يدعموا سنّ قوانين دولية تنص على حق الاتصال بالانترنت كحق إنساني. وينبغي لهم أن يستفيدوا من هذه القوانين كإطار عمل للمطالبة بأن يتخلى النظام الإسرائيلي عن سيطرته على البنية التحتية الفلسطينية للإنترنت.
وعلاوةً على ذلك، لا بد من محاسبة إسرائيل على استهدافها الصحفيين والمواطنين الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان. وينبغي للناشطين في الولايات المتحدة أن يتواصلوا مع ممثليهم في مجلس النواب لمطالبتهم بتمرير مشروع قانون مجلس النواب رقم 9291 الداعي إلى فتح تحقيق في اغتيال شيرين أبو عاقلة على يد إسرائيل.
يجب أيضًا تمويل محللي استخبارات المصادر المفتوحة والمواطنين الصحفيين الفلسطينيين من أجل تزويدهم بالتدريب في الأمن الرقمي وتمكينهم من تحقيق الاستفادة المثلى من أساليب جمع استخبارات المصادر المفتوحة بموازاة الحفاظ على سلامتهم وأمنهم. وختامًا، ينبغي للمناصرين أيضًا أن يدعموا المبادرات الفلسطينية في مجال استخبارات المصادر المفتوحة مثل مؤسسة الحق ووحدة التحقيق المعماري من خلال توفير التمويل والموارد الإضافية. ومن شأن نشر استخدام هذه الأدوات في فلسطين أن يعزِّزَ تدفق المعلومات، ويخفِّف الآثار الضارة الناجمة عن التشويه الإعلامي، ويحمي المواطنين الصحفيين الفلسطينيين من انتقام قوات النظام الإسرائيلي.