يملك الفلسطينيون أينما كانوا يقيمون - بمن فيهم سبعة ملايين فلسطيني منفي - حقًا في المواطنة الفلسطينية. وهذا الحق مكفول بموجب القانون الدولي، بيد أن الانتداب البريطاني والسلطات الاستعمارية الإسرائيلية ظلوا يتلاعبون بمفهومي الجنسية والمواطنة بُغية حرمان الفلسطينيين المنفيين من المواطنة. تقدم هذه الورقة السياساتية توصيات للفلسطينيين في الشتات وممثليهم في منظمة التحرير الفلسطينية حول سُبل الإعداد لإصدار تشريعات مستقبلية خاصة بالمواطنة والجنسية الفلسطينية تتحدى سياسات النظام الإسرائيلي العنصرية.
المواطنة والجنسية مفهومان مختلفان. وبرغم الخلط بينهما في معظم الأحيان، إلا أن التفريق بينهما يجب أن يشكِّل الأساس للرد الفلسطيني على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية. الجنسية هي اتفاقٌ بين الفرد والدولة، ويخضع بموجبها الفرد لعملية تدقيق صارمة، ويتعين عليه أن يستوفي متطلبات الأهلية التي تضعها تلك الدولة للحصول على جنسيتها. وهذا يعني أن للدولة أن تطعن في حق الأفراد في الجنسية، وبالتالي تجردهم من الجنسية بموجب نصوص معينة. ولكن الدولة لا تستطيع أن تُجرِّد الفرد من مواطنته، لأن المواطنة متأصلة في الفرد بحسب القانون الدولي الذي يُعرِّفها عمومًا بأنها الرابط بين الفرد وبقعة من الأرض. فالقانون الدولي يحمي حق الفرد في المواطنة، ويقتضي من جميع الدول أن تمنح مواطنة منطقة ما للأفراد المرتبطين بها.
كَفِلت معاهدةُ لوزان لعام 1923 المواطنةَ الفلسطينية ونصَّت عليها ضمن القانون الدولي على أساس ارتباطهم بالولاية العثمانية السابقة من خلال النسب و/أو الإقامة. إلا أن سلطات الانتداب البريطاني خالفت المعاهدة حين حرمت الفلسطينيين حقَّهم في المواطنة من خلال قانون الجنسية التي أصدرته في عام 1925 وأولت بموجبه الأولوية إلى تجنيس المهاجرين اليهود كموطنين فلسطينيين على حساب عشرات آلاف الفلسطينيين الذين هاجروا منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى الأمريكيتين. وهكذا فإن السياسة البريطانية جعلت من هؤلاء المهاجرين الحاملين لوثائق عثمانية لم تعد نافذة مواطنين فلسطينيين عديمي الجنسية.
أعاد النظام الإسرائيلي، منذ إنشائه، ضبط قوانين المواطنة والجنسية وتَعمَّدَ التلاعب بالجنسية والمواطنة لتأمين دولة يهودية. وكما فعلت سلطات الانتداب البريطاني، قدّم النظام الإسرائيلي نفسه باستمرار على أنه السلطة الوحيدة صاحبة الحق في منح الجنسية والمواطنة لجميع الرعايا ذوي المطالبات القانونية بالانتماء إلى فلسطين المستعمرة. وهكذا فإنه يمنع الفلسطينيين في المنفى من أن يصبحوا مواطنين فلسطينيين أو حاملين للجنسية إسرائيليين - ويمنع الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية من المطالبة بصفتهم كمواطنين فلسطينيين.
لطالما اعترضَ الفلسطينيون على إقصائهم من المواطنة الفلسطينية، حيث احتج الفلسطينيون في فلسطين وخارجها مرارًا وتكرارًا، إبان الانتداب البريطاني، على السياسات البريطانية من خلال الالتماسات المقدمة إلى حكومة فلسطين وإلى عصبة الأمم، معبرين عن حقوقهم في المواطنة الفلسطينية باستخدام لغة المعاهدات القانونية الدولية. غير أن مسألة المواطنة الفلسطينية غابت كثيرًا في العقود الأخيرة عن الخطاب السياسي الفلسطيني. ولكن بعد اعتراف الأمم المتحدة بسيادة فلسطين بحكم القانون في 2012، سعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى تفعيل حق الفلسطينيين في نيل الجنسية والمواطنة الفلسطينية على أساس معاهدة لوزان، بيد أنها لم تفلح بسبب التعقيدات القانونية التي ينطوي عليها ذلك.
لا بد لمنظمة التحرير، بصفتها الممثلَ الوحيد للشعب الفلسطيني المشتت أن تضطلع بدور الضامن لحقوق الفلسطينيين المنفيين في المواطنة الفلسطينية بغض النظر عن القيادة الإسرائيلية والفلسطينية الفاسدة. ويمكنها في سبيل ذلك أن تحتج، كما فعلت في 2012، بمعاهدة لوزان كأساسٍ قانوني للمواطنة معترفٍ به دوليًا. وفي الوقت نفسه، يتعين على الفلسطينيين في الشتات أن يعملوا مع منظمة التحرير، ولا سيما مع سلكها الدبلوماسي المكلف بتمثيل اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين، لتحديد المعايير التي تقرر مَن هو الفلسطيني.
ومن أجل ذلك، يجب على المنفيين الفلسطينيين وممثليهم في منظمة التحرير ما يلي:
- إيجاد محافل للفلسطينيين حول العالم للتجمع ووضع المعايير لتحديد المؤهلين للتسجيل للحصول على المواطنة الفلسطينية. وبالرغم من أن معاهدة لوزان نصَّت على أحكام في هذا الخصوص، إلا أنه يتعين على الفلسطينيين أن يعبِّروا عن هذه الحقوق بعباراتهم وظروفهم الخاصة، تمامًا كما دأبت مجتمعات السكان الأصليين في أمريكا الشمالية على مناقشتها منذ عقود.
- إصدار سجل سكاني للفلسطينيين في المنفى للتأكد من عدد الفلسطينيين في الشتات المؤهلين للحصول على المواطنة الفلسطينية.
- صياغة قانون شامل للمواطنة يقوم على أساس حق الفلسطينيين في مواطنتهم على النحو الذي يحدده القانون الدولي وبالإجماع. وهذا من شأنه أن يهيئ الأساس لمنح الجنسية الفلسطينية.
- دعم الفلسطينيين المقيمين في دول أجنبية والمتمتعين بجنسية ثانوية والذين يطالبون الدول المضيفة بالاعتراف بهم كمواطنين فلسطينيين.
- المطالبة بمحاسبة إسرائيل على انتهاكها القانون الدولي من خلال حرمانها ملايين الفلسطينيين الذين طردتهم من فلسطين عامي 1948 و1967 حقَّهم في المواطنة الفلسطينية. ولا بد من فعل ذلك على المستويين الإقليمي والدولي وفي كل دولة يقيم فيها الفلسطينيون.