انتفاضة جديدة: الاقتصاد

إن إحياء منظمة التحرير الفلسطينية ودورها القيادي كهيئة ممثلة للشعب الفلسطيني في فلسطين المستَعمرة والشتات يتطلب إعادة تعريف مفهوم الاقتصاد الفلسطيني. فمنظمة التحرير، وليس السلطة الفلسطينية، هي صاحبة الدور التاريخي في تطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين في الشتات، ولا سيما في مخيمات اللاجئين. ومع إحياء منظمة التحرير، لن يقتصر الاقتصاد الفلسطيني على الضفة الغربية وغزة، بل سيشمل النشاط الاقتصادي الفلسطيني في أراضي 1948 وفي الشتات.
تمتعت منظمة التحرير الفلسطينية تاريخيًا بالشرعية أينما حلَّت. وكانت الشرعية طبيعية في بيئة هيمنت عليها أنظمة عربية هددها بزوغ نجم الثورة الفلسطينية المسلحة وموجة التعبئة الشعبية التي استنهضتها في المنطقة. فواجهت منظمة التحرير القمع في مطلع السبعينات على يد النظام الأردني في أعقاب أحداث أيلول الأسود في الأردن، وانتقلت على إثرها للاستقرار في لبنان، حيث شكَّلت دولةً بحكم الواقع داخل الدولة اللبنانية.

وبموازاة القوة السياسية والعسكرية التي تمتعت بها منظمة التحرير، تشكَّل داخل مخيمات اللاجئين نظامٌ للخدمات الاجتماعية، والتعبئة الشعبية، والاتحادات العمالية، والإنتاج الصناعي. وقام بتمويل هذا النظام الرأسماليون الفلسطينيون والخليجيون دعمًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وجمعية صامد، وهي جمعية صناعية مكونة من 21 مصنعًا أُسسِّت لتوظيف أبناء الشهداء الفلسطينيين في لبنان، وتأمين السلع الأساسية لاستهلاك الفلسطينيين. غير أن الجمعية انحلت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 وما تلاه من تشتت منظمة التحرير في مختلف البلدان العربية. وبعد العام 1982، أصبحت منظمة التحرير أكثر اعتمادًا على الدعم المالي من الرأسماليين، وهو ما أدى إلى سيطرتهم على القرار السياسي.

تختلف الظروف الحالية عن الظروف التي شهدها عقد السبعينات. أولاً، انخرطت دول عربية عدة في اتفاقات تطبيعية مع إسرائيل. وثانيًا، الفلسطينيون في المنفى أكثر تشتتًا من الماضي ولا توجد شبكات تربطهم. ولا تملك الاتحادات العمالية التابعة لمنظمة التحرير في المنفى أي وجود حقيقي على الأرض في فلسطين. ثالثًا، حركة فتح أضعفُ بكثير مما كانت عليه في السبعينات والثمانينات. وبالتالي، فإن الاعتمادَ على الرأسماليين العرب والفلسطينيين لإعادة بناء منظمة التحرير هو وهمٌ. ولذلك، فإن قوة منظمة التحرير المُعاد بناؤها لن تبدأ في المنفى كما حصل عند تأسيسها في 1964. فلا بد إذن أن تبدأ عملية إعادة بناء منظمة التحرير داخل فلسطين المستعمَرة، ومن ثم يمكنها التواصل مع الفلسطينيين في الشتات.

يمكن أن تنجم القوةُ الاقتصادية لمنظمة التحرير من إعادة توحيد النشاط الاقتصادي عبر فلسطين المستعمَرة، أي بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة من جانب والفلسطينيين القاطنين في أراضي 1948. ويمكن لهذا التعاون أن يوسِّع القاعدة الإنتاجية للنشاط الاقتصادي الفلسطيني لأن الفلسطينيين في أراضي 1948 يتمتعون بقدر أكبر من حرية الحركة.

ومع ذلك، سينبغي لهذه الجهود المتضافرة أن تتصدى للنموذج النيوليبرالي الذي تنتهجه السلطة الفلسطينية والذي أدى إلى ظهور طبقة رأسمالية في فلسطين. وبما أن هذه الطبقة تهيمن على قرارات السلطة الفلسطينية، فمن المحتمل أن تهيمن على منظمة التحرير أيضًا، حيث يمكن لاتحاد الرأسماليين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها أن يفرض ضغطًا حقيقيًا على أي قيادة فلسطينية جديدة. وبالنظر إلى التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، يمكن للمستثمرين الفلسطينيين في المنفى أن يتخذوا التواصل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وسيلةً لتسهيل تطبيع العلاقات الاقتصادية وشرعنتها.

يمكن لإعادة أواصر الترابط بين الفلسطينيين في فلسطين وأبناء جلدتهم في المنفى أن يعززَ صمود الشعب الفلسطيني حول العالم، وأن يساعد في الحيلولة دون تبلور هذه الظروف. ومع ذلك، وحرصًا على أن يُفضي هذا التطور إلى تعزيز صمود الفلسطينيين على الأرض، ومنعًا لشرعنة التطبيع مع إسرائيل، لا بد من إيجاد نموذج بديل للنيوليبرالية، مثل النموذج المطروح تالياً في سيناريو الانتفاضة، القائم على التكافل والمقاومة، والذي يمكن أن يساعد في عرقلة التطبيع. ويمكن للمؤسسات المشاركة في هذا النموذج أن توجه الدعم إلى الشعب الفلسطيني لتحقيق المزيد من القدرة على الصمود.

تعتمد العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية على نتيجة السيناريو الثاني والثالث. فإذا انهارت السلطة الفلسطينية بسبب القيود الإسرائيلية والدولية، ستحتاج منظمة التحرير إلى استيعاب جميع ديون السلطة. وإذا أُعيدت هيكلة السلطة الفلسطينية وتحولت إلى سلطات محلية، فلن تنقل ديونها إلى منظمة التحرير، وستصبح المنظمة السلطة المركزية التي تشرف على مؤسسات السلطة الفلسطينية.

العضو السياساتي للشبكة طارق صادق، لاجئ فلسطيني من قرية مجدل الصادق قضاء يافا، ويسكن حاليا في رام الله. حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد عام...
مع إحياء منظمة التحرير، لن يقتصر الاقتصاد الفلسطيني على الضفة الغربية وغزة، بل سيشمل النشاط الاقتصادي الفلسطيني في أراضي 1948 وفي الشتات.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
باشرت القيادة المركزية الأمريكية يوم الجمعة 17 أيار/مايو 2024 تشغيلَ الرصيف المؤقت قبالة سواحل قطاع غزة. ومنذ الإعلان عن المشروع، أعربَ الكثيرون عن شكوكهم حول مدى فاعلية الرصيف وعن تخوفهم إزاء الخطط الأمريكية بعيدة الأجل ودور الرصيف في خدمة الأهداف الإسرائيلية. يتناول هذا التعقيب العمليات الجارية عبر الرصيف ويحلل دوافع الفاعلين الجيوسياسيين الرئيسيين من وراء بنائه. ويضعُ الرصيفَ في سياق استراتيجية إسرائيل بعيدة الأجل بشأن فلسطين، حيث يتخذ من الرصيف مدخلًا لفهم أهداف النظام الإسرائيلي الإقليمية الأشمل. وبغض عمّا إذا كان الرصيف مؤقتًا أم دائمًا، يرى الكاتب أنه لا ينبغي النظر إلى الرصيف باعتباره جهدًا إنسانيًا محضًا وقصير الأجل، وإنما كدلالة لاستمرار المساعي الإمبريالية والاستعمارية الأمريكية والإسرائيلية.
 السياسة
منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين، بُذلت جهودٌ كبيرة لتصوير كل مقاومة لمساعيه الاستعمارية بأنها غير عقلانية ومتناقضة مع التقدم والحداثة. وهذا الانقسام المصطنع عمدًا بين المستوطِن المزدهر والمتحضر وبين العربي الرجعي والرافض المعترضِ طريقَ التقدم حدَّد معالم التطورات بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة وباتَ لازمةً تتكرر على مر العقود القادمة. يتناول المحلل في الشبكة، فتحي نمر، في هذا التعقيب نشأة هذه اللازمة، ويبيّن طريقة استخدامها كسلاح لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية وشيطنة تطلعاتهم الجماعية إلى السيادة.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 04 يونيو 2024
 السياسة
يطرح عمر شعبان في هذا التعقيب مَدخلًا للحوار الفلسطيني بشأن ما قد يلي وقف إطلاق النار، حيث يتناول في البداية خطاب "اليوم التالي" الراهن غير الفلسطيني، ثم يصف كيف تختلف عملية إعادة الإعمار اليوم عن العمليات التي سبقتها، ويعرض في الختام مقاربةً ممكنة للبدء في إعادة إعمار القطاع.
Al-Shabaka Omar Shaban
عمر شعبان· 19 مايو 2024
Skip to content