المواضيع
طالعوا تحليلاتنا بخصوص المجتمع المدني وسُبله في رسم ملامح المشهد الثقافي والسياسي والسياساتي.
طالعوا استشرافاتنا بخصوص تغيرات المشهد السياسي وتداعياتها على فلسطين
استزيدوا معرفةً بالسياسات والممارسات التي تحدد شكل الاقتصاد الفلسطيني
تعرَّفوا أكثر على الأوضاع الفريدة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الشرق الأوسط
التحليلات
تحليلات متعمقة للسياسات الحالية أو المتوقعة التي تؤثر في إمكانيات التحرير الفلسطيني.
رؤى ووجهات نظر حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعلقة بفلسطين والفلسطينيين حول العالم.
تحليلات موجزة لسياسات محددة وخلفياتها وآثارها.
تعقيبات تضم رؤى متنوعة من محللين متعددين.
تجميعات لأعمال سابقة أنجزتها الشبكة حول موضوع محدد.
مشاريع مطوَّلة ومخصصة تسعى إلى الإجابة عن أسئلة بحثية تقع خارج نطاق تحليلاتنا المعتادة.
مبادرة بحثية معنية بالسياسات أطلقتها الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية.
سلسلة ندوات شهرية عبر الإنترنت تجمع خبراء فلسطينيين.
متميز
اشتركوا في نشرة الشبكة البريدية الآن لتصلكم أحدث التحليلات السياساتية الفلسطينية على بريدكم الإلكتروني:
فلسطين وتوسع مجموعة بريكس: نحو نظام عالمي جديد
مقدمة
توسعت مجموعة بريكس أخيرًا لتشمل بلدانًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سعيًا إلى إنشاء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. يضم تكتل بريكس مجموعة من الاقتصادات غير الغربية العملاقة وأخرى ناشئة وسريعة النمو، ويأخذ اسمه من الحروف اللاتينية الأولى لأسماء أعضائه الرئيسيين: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا. وفي خطوة توسعية في العالم العربي، انضمت مصر وإيران والإمارات العربية المتحدة إلى بريكس في 2023، بينما تنشط المملكة العربية السعودية في التكتل بصفتها عضوًا مدعوًّا. وفي آب/أغسطس 2024، دعت مجموعة بريكس دولة فلسطين إلى التقدم للدخول في عضويتها، في خطوةٍ غير عادية، لأن فلسطين لا تمثل اقتصادًا ناشئًا مثل أعضاء المجموعة الحاليين.
يتناول هذا التعقيب تطوُّر العلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومجموعة بريكس، مع التركيز في انضمام فلسطين المحتمل إلى عضويتها والأسباب التي دفعت المجموعة إلى توجيه هذه الدعوة إلى فلسطين. ويرى التعقيب أن من شأن انضمام فلسطين إلى مجموعة بريكس أن يفتح آفاقًا جديدةً للنقاش حول السيادة الفلسطينية تتجاوز الانحياز الأمريكي لإسرائيل. ويبين أيضًا كيف أن العضوية في بريكس يمكن أن تعود بالنفع الكبير على الاقتصادِ الفلسطيني من خلال تعزيز التعاون بين الأعضاء في المجالات التي تدفع التنمية الاقتصادية، بما في ذلك قطاعات الطاقة واللوجستيات والذكاء الاصطناعي.
توسُّع مجموعة بريكس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
ركَّزت مجموعة بريكس منذ انطلاقها رسميًّا سنة 2009 في أنها مجموعة تجارية تعمل على التعاون الاقتصادي في المقام الأول. وإدراكًا منها لضرورة تضافر بلدان الجنوب في مواجهة التحديات الاقتصادية الكليَّة والنقدية التي أسفرت عنها الأزمة المالية العالمية في 2007–2008، تمثَّل إنجازها الأهم في إقامة مؤسسات مالية غير غربية بديلة، وتحديدًا صندوق الاحتياطي النقدي وبنك التنمية الجديد. ومع مرور الوقت، وسَّعت مجموعة بريكس نطاق أعمالها ليشمل معالجة قضايا سياسية وأمنية مُلِحَّة، مثل: تغيُّر المناخ ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني. رحبت المجموعة بأعضاء جدد في قمة بريكس لعام 2023، من بينهم: مصر وإيران وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، ووجهت الدعوة إلى الأرجنتين والمملكة العربية السعودية للانضمام إلى عضويتها، ولكن لا يزال انضمامهما غير مؤكد. يعكس توسُّع مجموعة بريكس رؤيتها إزاء توطيد التعاون متعدد الأطراف بين دول الجنوب ومقاومة الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي.
إن اهتمام مجموعة بريكس بانضمام دولة فلسطين إلى عضويتها ينمُّ عن تحولات جيوسياسية أعم، ويعكس خيبة الأمل المتنامية في الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة Share on X
بدأ اهتمام مجموعة بريكس بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قبل أكثر من عقد، ولكنه تنامى بقوة بعد جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، الحدثين اللذين كشفا عن نقاط ضعف في سلاسل إمداد دول بريكس وعن حاجة المجموعة إلى تعزيز مرونتها وقدرتها على التكيُّف مع الأزمات وضغوط السيولة العالمية المصاحبة لها. فلمّا مُنعت دول بريكس من الحصول على اللقاحات الأمريكية الصنع، عملت على إنتاج لقاحاتها الخاصة وتصديرها بهدف دعم استقرار سلسلة التوريد العالمية. وفعليًّا، كانت الإمارات العربية المتحدة من أولى الدول التي حصلت على لقاحي سينوفارم الصيني وسبوتنيك V الروسي. ويتضح أن مجموعة بريكس تتطلع إلى توطيد العلاقات مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف تعزيز أمن سلاسل الإمداد والحدِّ من مخاطر الأزمات المستقبلية المحتملة.
أصبح التعاون مع أعضاء مجموعة بريكس خيارًا مغريًا لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إنْ لم يكن ضروريًّا في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها دول المنطقة، مثل مصر وتونس، وأبرزها شح الدولار. فمن شأن الاتفاقيات الثنائية المبرمة بالعملات المحلية أن تقلِّلَ الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية، ما يعود بالنفع على الاقتصادات الناشئة التي تواجه صعوبات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي الوقت نفسه، يمثل الموقع الجغرافي الإستراتيجي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أهميةً بالغة للأمن الاقتصادي وشبكات التجارة لدول بريكس. ورغم الانقسامات الداخلية، فقد حققت مجموعة بريكس مكاسب جيوسياسية كبيرة بتوسعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ أمِنت الوصولَ إلى طرق الملاحة الإستراتيجية، بما فيها قناة السويس والبحر الأحمر. وعزز هذا التوسع المرونة التجارية، وحدَّ من مخاطر الصدمات الجيوسياسية، ودعَّم الاستقرار الاقتصادي. واستفاد أعضاء بريكس أيضًا من الوصول إلى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا، ما يحد من سيطرة الولايات المتحدة على خطوط إمداد دول بريكس. وعزَّز قادةُ مجموعة بريكس، ولا سيما الصين وروسيا، حضورَهم في المنطقة لتأمين إمدادات الطاقة وتنمية التعاون في هذا القطاع.
نما التعاون بين مجموعة بريكس ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًّا كبيرًا، خاصةً بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا بسبب حرب أوكرانيا. فزادت دولة الإمارات العربية المتحدة وارداتها من النفط الخام الروسي على نحو ملحوظ، وأنشأت طهران وموسكو مركزًا للغاز لتنويع مصادر الطاقة. وبصفتها دولة مَدعوة إلى الانضمام إلى التكتل، ضاعفت المملكة العربية السعودية وارداتها من زيت الوقود الروسي اللازم لتشغيل محطات الطاقة، مُبقيةً على احتياطاتها من النفط الخام لغايات التصدير. تعكف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا على البحث في إمكانية التعاون مع دول بريكس لإنشاء مشروعات الطاقة النووية للأغراض المدنية. كما يعود استخدام دول التكتل المتزايد للعملات غير الدولارية بالنفع على تجارة الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يوفِّر آليات تسعير مرنة ويكسر الهيمنة الغربية على النظام النقدي العالمي.
تتضمن خطط مجموعة بريكس لتعزيز التعاون بين أعضائها إنشاءَ نظامٍ لتبادل السلع يقلل من اعتماد الأسواق الناشئة على الدولار ويعزز استخدام العملات المحلية. فخلال فترة رئاسة روسيا لمجموعة بريكس عام 2024، تصدّرت الجهود الرامية إلى تقليل الاعتماد على الدولار قائمةَ الأولويات، عبر الدفع بمبادرات مثل بريكس (BRICS Pay) كبديل لنظام شبكة التحويلات المصرفية المهيمنة “سويفت” (SWIFT)، والقائم على الدولار الأمريكي. وتأتي هذه المبادرة ضمن جهود أوسع للحدِّ من الاعتماد على النظام المالي الغربي، لتفتح آفاقًا اقتصادية جديدة ومسارات واعدة أمام مجتمعات الجنوب العالمي -بمن فيهم الفلسطينيون- للتحرر من التبعية للغرب، ولا سيما هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.
دعم مجموعة بريكس لفلسطين
أكدت دول مجموعة بريكس، في منتدى 2024 الذي عُقِد في قازان، على دعمها لدولة فلسطين وحل الدولتين، معربةً عن قلقها البالغ إزاء عنف النظام الإسرائيلي الذي يرقى إلى الإبادة الجماعية. غير أن المدخل لفهم موقف مجموعة بريكس من فلسطين هو تحليل سياسات أعضائها كلٍّ على حدة، وذلك لعدم تبني دول بريكس مواقف موحدة بالضرورة في جميع القضايا. فالبرغم من أن مجموعة بريكس تتخذ مواقف موحدة في بعض الأحيان، فإنها ليست ملزمة قانونيًّا لدولها الأعضاء، كما الاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال، تدعم مجموعة بريكس حل الدولتين، إلا أن دولها الأعضاء تتعاطى بطريقة مختلفة مع مختلف الفصائل الفلسطينية والنظام الإسرائيلي.
تنامى اهتمام مجموعة بريكس الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتوازي مع انضمام دول عربية إليها، وهذا الانفتاح يُمكِّنها من طرح أجندةٍ بديلة للجنوب العالمي تسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية Share on X
هذا، وإن اهتمام مجموعة بريكس بانضمام دولة فلسطين إلى عضويتها ينمُّ عن تحولات جيوسياسية أعم، ويعكس خيبة الأمل المتنامية في الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة. ففي حزيران/يونيو 2023، وقّعت السلطة الفلسطينية شراكةً إستراتيجية مع الصين، جدّدت خلالها بكين دعمها حلَّ الدولتين ودعت إلى منح دولة فلسطين عضويةً كاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً لها. كذلك، عزَّزت الصين مشاركتَها الدبلوماسية في جهود تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، حيث أدارت عملية التوصل إلى إعلان بكين الذي صدر في تموز/يوليو 2024، والذي تعهَّد فيه 14 فصيلًا فلسطينيًّا، من بينها فتح وحماس، بالعمل على تحقيق المصالحة. وفي حين أكدت محادثات بكين الاعترافَ بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لجميع الفلسطينيين، فقد شدّد الإعلان على التزام المشاركين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقًا لقرارات الأمم المتحدة. والأهم أن المحادثات أثمرت عن اتفاق بين الفصائل الفلسطينية لتشكيل حكومة مصالحة وطنية تركز في المقام الأول في إعادة إعمار غزة، وإنْ لم يكن ذلك قد تحقّق بعد. يؤكد إعلان بكين الذي تدعمه روسيا ومصر والجزائر التزامَ الصين بدعم قيام دولة فلسطينية، وهو ما يتسق مع الموقف الجماعي لمجموعة بريكس.
وعلى نحوٍ مماثل، دعت روسيا في بداية الإبادة الجماعية إلى تقديم دعم أكبر إلى فلسطين. واضطلعت بدورٍ كبير في تحقيق التقارب الفلسطيني من خلال استضافتها اجتماعات مصالحة بين الأطراف السياسية الفلسطينية. وفي تشرين الأول/أكتوبر2024، التقى نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بقادة حماس في موسكو سعيًّا نحو تشكيل حكومة موحدة. وفي موقف هو الأقوى مناصرةً للقضية الفلسطينية، عزّزت جنوب إفريقيا مكانتها كقوةٍ مؤثرة حيث اتخذت إجراءات قانونية ضد النظام الإسرائيلي، شملت اتهامه بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية.
دوافع دعم مجموعة بريكس لفلسطين
يتوافق موقف مجموعة بريكس من النضال الفلسطيني بشكل عام مع التزامها الأسمى بإرساء السلام على المستويين الإقليمي والدولي، وتحقيق الرخاء المتبادل. ولكن في ظل النهج غير الموحد الذي تتبناه مجموعة بريكس في تنفيذ سياساتها، فإن الوقوف على دوافع المجموعة لقبول عضوية فلسطين يتطلب مزيدًا من التدقيق في دوافع كل دولة على حدة.
هذا التغيُّر المرتقب في النظام العالمي، والذي ينطوي على تهديد هيمنة الدولار الأمريكي، دفع دونالد ترامب إلى تهديد دول مجموعة بريكس بفرض رسوم جمركية بمجرد توليه السلطة. كما دفعت خطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دولًا عربية، مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، إلى التعبير عن تضامنها القوي مع القضية الفلسطينية. وفي رد فعل قوي على خطة ترامب لتهجير فلسطينيي غزة قسرًا، صارت الدول العربية تتسابق لإيجاد خطط بديلة لإعادة إعمار غزة. فتلك الخطة تمثل تهديدًا وجوديًّا للأنظمة العربية، وهو ما اضطرها إلى تعزيز التزامها بإقامة دولة فلسطينية. وتواصل دولٌ عربية، مثل: الإمارات العربية المتحدة -مدفوعةً بمصالحها الذاتية- التعبيرَ عن التزامها بإقامة دولة فلسطينية كجزءٍ من رغبتها في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، وذلك رغم تطبيعها مع النظام الإسرائيلي بموجب اتفاقات أبراهام. وفي الوقت نفسه، اتخذ النظام السعودي خطوات نحو تقاربٍ جديد مع إيران، الخصم التاريخي لإسرائيل، في خطوة تصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي وتدعم التضامن مع القضية الفلسطينية.
يتجلى من موقف بريكس الجماعي وسياسات دولها الأعضاء أن انخراط المجموعة المتنامي في القضية الفلسطينية ينم عن تحولٍ إستراتيجي أوسع في دورها الإقليمي، يتحدى الهيمنة الغربية على الشؤون الدولية. وقد تنامى اهتمام المجموعة الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتوازي مع انضمام دول عربية إليها، وهذا الانفتاح يُمكِّنها من طرح أجندةٍ بديلة للجنوب العالمي تسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية.
عضوية مجموعة بريكس تنفع الفلسطينيين
من الناحية الاقتصادية، تتيح عضوية بريكس للفلسطينيين فرصًا واعدة للتغلب على العقوبات والعزلة المفروضة عليهم من الغرب. فتأكيد المجموعة على التعاون الإنمائي والتضامن بين بلدان الجنوب يقدِّم بديلًا مهمًّا للنظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة. يمكن أن يستفيد الفلسطينيون من الأنظمة المالية المبتكرة، مثل: نظام “بريكس باي كيو آر” (BRICS Pay QR) للمدفوعات الفردية، ونظام “بريكس باي بي تو بي” (BRICS Pay B2B) للمعاملات بين الشركات، لتقليل اعتمادهم على الأنظمة المالية التي تسيطر عليها إسرائيل. فيوفر نظام “بريكس باي” اللامركزي للرسائل والمعاملات المالية العابرة للحدود بديلًا لنظام “سويفت” الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ما يُقلِّل القيود المفروضةَ على النشاط الاقتصادي الفلسطيني. ومن شأن التعاون مع بنك التنمية الجديد أن يدعم حاجات التنمية الفلسطينية بعيدًا عن الدعم الغربي المشروط ومصائد الديون. وفي وسع التداول بالعملات الوطنية لدول بريكس مُستقبلًا أن يخفِّفَ من آثار العقوبات التي يفرضها النظام الإسرائيلي على الفلسطينيين.
في سياق إعادة تنظيم قوى الجنوب، يخدم توسع مجموعة بريكس المسعى الفلسطيني من أجل التحرر، حيث يمثِّل التحدي الأكبر للهيمنة الأمريكية والأحادية القطبية للنظام العالمي Share on X
بالإضافة إلى ذلك، تفتح عضوية بريكس أسواقًا للشركات الفلسطينية الناشئة في قطاع التكنولوجيا، ما يعزز الابتكار ويُسهم في توفير فرص عمل. وتتيح المناطق الاقتصادية الخاصة التابعة لمجموعة بريكس فرصًا واعدة للتعافي والنمو الاقتصادي في غزة والضفة الغربية، وذلك في مواجهة تدابير العزلة التي تفرضها إسرائيل. ويقدِّم تركيز تكتل بريكس في إتاحة الذكاء الاصطناعي فرصًا للفلسطينيين لمجابهة السيطرة التكنولوجية التي يمارسها النظام الإسرائيلي، والتي تُعيق تطوُّر المشهد الرقمي الفلسطيني، وذلك من خلال تبادل البيانات، ووضع السياسات، والابتكار. ويُعدُّ التعاون في المجال الصحي جانبًا آخر يُمكن لمجموعة بريكس أن تدعمَ فلسطين من خلاله. فمن شأن عضوية فلسطين في مركز أبحاث اللقاحات التابع لمجموعة بريكس أن يعزِّز قدرتها على مواجهة الأوبئة المستقبلية، ويضمن حصولها على اللقاحات المنقذة للحياة في الوقت المناسب، إلى جانب فوائد أخرى تتعلق بالصحة العامة.
وعلى الصعيدين الثقافي والاجتماعي، تتيح مجموعة بريكس فرصًا عديدة لدولة فلسطين للتفاعل على المستوى العالمي. فالسياحة، وبرامج التبادل التعليمي، والمشاركة في مبادرات، مثل مجلس شباب مجموعة بريكس وبرامج التدريب المهني، تُعزز بناءَ جسور التواصل بين الشعوب. وفي وسع تحالف متاحف مجموعة بريكس وغيره من المبادرات الثقافية أن يُسهمَ في حماية التراث الفلسطيني من خطر المحو. كما سيتسنى للمجتمع المدني الفلسطيني الاستفادة من بناء شراكات متينة مع خبراء مجموعة بريكس من خلال المشاركة في منتدياتها العالمية، بما يتصدى لمحاولات إسرائيل الرامية إلى عزل الفلسطينيين.
إن انضمام فلسطين إلى عضوية مجموعة بريكس أو دخولها بوصفها دولة شريكة يمكن أن يحسِّن مكانتها الدولية ويعزز قدرتها على الصمود. فمن خلال التعاون مع مجموعة بريكس، يمكن للقيادة الفلسطينية أن تنهضَ بتطلعاتها في إقامة الدولة، وتُقلِّلَ اعتمادَها الاقتصادي والسياسي على النظام الإسرائيلي والولايات المتحدة، وتخلق فرصًا جديدة للتعاون والنمو والتنمية. يُتيح تعاون فلسطين مع الدول الأعضاء في مجموعة بريكس، فرادى أو مجتمعة، إستراتيجيةً متعددة الأوجه لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية وتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعيدة المدى.
والأهم من ذلك أن مجموعة بريكس تستطيع أن تضطلع بدورٍ رائد في إعادة إعمار غزة. فإعادة إعمار غزة وتطوير مينائها مشروعٌ طال تعطيله، وهو يتماشى مع مصالح مجموعة بريكس ويُسهِم في تحسين مقومات الاقتصاد الفلسطيني. إذ سيُسهم إعمار ميناء غزة في تعزيز أمن سلاسل إمداد دول بريكس، بالإضافة إلى جعل فلسطين مركزًا تجاريًّا حيويًّا على البحر المتوسط. ومع ذلك، فإن أي جهدٍ من هذا القبيل يظل مرهونًا بتخفيف إسرائيل قبضتها الخانقة على غزة التي لا تزال تعيش تحت الحصار. ورغم أن مشاركةَ مجموعة بريكس في إعادة بناء غزة ستواجه على الأرجح معارضةً من الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المجموعة تمتلك نفوذًا كافيًا للضغط من أجل تحقيق هذا الهدف.
التحديات أمام عضوية فلسطين
من المتوقع أن تواجه عضوية دولة فلسطين المحتملة في مجموعة بريكس معارضة كبيرة، ولا سيما من القوى الغربية. فقد عارضت الولايات المتحدة تاريخيًّا أيَّ مساعٍ فلسطينية منفردة لنيل اعتراف دولي، في تماشٍ مع موقف النظام الإسرائيلي الذي حذَّر من اتخاذ إجراءات انتقامية من طرف واحد لتعطيل تلك المساعي الفلسطينية. ومن المرجح أن تنظر الولايات المتحدة إلى عضوية فلسطين في مجموعة بريكس كخطوة أحادية الجانب واستفزازية، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى فرض عقوبات إسرائيلية إضافية.
علاوةً على هذا، قد تُضفي عضوية فلسطين في مجموعة بريكس شرعيةً على مشاركة حماس في حكومة وحدة وطنية، وهي نتيجة تعارضها الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي بشدة. فخلال قمة المجموعة في قازان التي نوقشت فيها عضوية فلسطين، حثَّت حماسٌ روسيا على الضغط على الرئيس محمود عباس لقبول اتفاق بتقاسم السلطة. وأبرزت القمة الحاجة المُلِحّة إلى الوحدة الفلسطينية، ودافعت الصين عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وفرَّقت بوضوح بين المقاومة والإرهاب. كما أن دور الصين الفعَّال في الدفع نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية يُشير إلى أنها ستدعم تشكيل حكومة وحدة، رغم المعارضة الأمريكية المرجحة لمثل هذه التطورات.
يختلف موقف الاتحاد الأوروبي من فلسطين عن موقف الولايات المتحدة، حيث يؤيد رسميًّا تطلعات الفلسطينيين إلى إقامة دولتهم ضمن إطار حل الدولتين. وعلى عكس الولايات المتحدة التي هددت بقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية لمساعيها الأحادية لإقامة الدولة، قدَّم الاتحاد الأوروبي دعمًا ماليًّا لمنع انهيار الحكومة وسط الظروف الاقتصادية المتدهورة التي أسفرت عنها العقوبات الإسرائيلية، بما في ذلك القيود المفروضة على العمال الفلسطينيين واحتجاز عائدات المقاصة. إلا أن المواقف المنفردة لدول الاتحاد الأوروبي تجاه فلسطين متباينة. فلم تعترف إلا عشر دول من أصل سبع وعشرين دولة بفلسطين رسميًّا، وكانت إسبانيا والنرويج وأيرلندا آخر الدول اعترافًا بها عام 2024. وعليه، فمن المرجح أن تلقى عضوية فلسطين في مجموعة بريكس ردودَ فعلٍ متباينة من الدول الأوروبية.
وأخيرًا، سوف تتيح العضوية المحتملة للفلسطينيين في مجموعة بريكس فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي والدبلوماسي، عبر فتح آفاق جديدة نحو الفكاك من الاعتماد الكامل على الأنظمة الغربية. ويتحتم على الفلسطينيين استغلال هذا الزخم لتوحيد صفوفهم وتحويل تركيزهم الجماعي نحو تكتلات الجنوب العالمي الواعدة من أجل دفع مسيرة التحرير ومقاومة القبضة الخانقة للنظام الإسرائيلي على الاقتصاد الفلسطيني التي تقويها سياسات الولايات الأمريكية الداعمة للنظام الصهيوني. ففي سياق إعادة تنظيم قوى الجنوب، يخدم توسع مجموعة بريكس المسعى الفلسطيني من أجل التحرر، حيث يمثِّل التحدي الأكبر للهيمنة الأمريكية والأحادية القطبية للنظام العالمي.
أحمد القاروط
أحدث المنشورات
عزوف الناخبين: الإبادة الجماعية وسباق الرئاسة الأمريكية لعام 2024
الاتصالات والإنترنت في غزة: تحت سيطرة ودمار الاحتلال
التطورات الإقليمية وتأثيرها على فلسطين: مع التركيز على سوريا
نحن نبني شبكةً من أجل التحرير.
ونحن نعمل جاهدين، باعتبارنا المؤسسة الفكرية الفلسطينية العالمية الوحيدة، للاستجابة للتطورات السريعة المؤثرة في الفلسطينيين، بينما نحافظ على التزامنا بتسليط الضوء على القضايا التي قد يتم تجاهلها لولا تركيزنا عليها.