ملخص تنفيذي
تخنق إسرائيل الاقتصاد الفلسطيني وتخضعه منذ عام 1967، فمن خلال الاحتلال العسكري والضم المستمر للأراضي الفلسطينية، ومن خلال تقييد تبادل البضائع بين المدن والقرى الفلسطينية بشبكة من المستوطنات ونقاط التفتيش، أعاقت إسرائيل قدرة الاقتصاد الفلسطيني على خلق فرص عمل لأكثر من 2.5 مليون فلسطيني في سن العمل في الضفة الغربية وغزة.
فقد تم توظيف أكثر من 130 ألف فلسطيني في الأراضي الإسرائيلية في عام 2019، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق. فمتوسط الأجر اليومي في الأراضي الإسرائيلية أكثر من ضعف نظيره في الضفة الغربية، وأكثر من أربعة أضعاف ذلك في غزة. وعلى الرغم من أن القدرة على العمل في الأراضي الإسرائيلية سمحت للعمال الفلسطينيين بالعثور على فرص عمل وتحسين ظروفهم الاقتصادية، إلا أنهم في الواقع يواجهون ظروف عمل سيئة، بما في ذلك عدم كفاية تدابير السلامة والتأمين، فضلاً عن انتهاكات العمل فيما يتعلق بالأجور وساعات العمل وسياسات الإجازة.
تفاقمت الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق العمال الفلسطينيين منذ اندلاع جائحة كوفيد-19، ففي 17 آذار / مارس 2020، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، عن سلسلة من الأحكام الخاصة التي تتطلب بقاء العمال الفلسطينيين في مساكن يرتبها أصحاب العمل الإسرائيليون. وقد أفاد العمال الفلسطينيون فيما بعد أنهم اضطروا للنوم في مجموعات كبيرة في أماكن عملهم، وفي كثير من الأحيان من دون فراش وبطانيات نظيفة، وغالبًا ما يعجزوا عن الوصول إلى مرافق الصرف الصحي والنظافة، أو حتى عن تناول الطعام والشراب.
لم يفعل النظام الإسرائيلي الكثير لحماية العمال الفلسطينيين من عدوى كوفيد-19، وبدلاً من ذلك، قامت قوات الاحتلال بطرد أو ترك العمال الفلسطينيين المشتبه في إصابتهم عند نقاط التفتيش العسكرية، أو حتى على جانب الطريق. ونظرًا لأن معدلات الإصابة والوفيات بـ كوفيد-19 في إسرائيل كانت أعلى بشكل ملحوظ منها في الضفة الغربية وغزة، أصبح العمال الفلسطينيون هم الناقلون الرئيسيون للفيروس إلى الضفة الغربية. وبالفعل، فإن أول حالة وفاة بفيروس كورونا في الضفة الغربية كانت لسيدة في بلدة بدو أصيبت بالمرض من ابنها العامل في مستوطنة عطروت الصناعية.
بالإضافة إلى ذلك، أُجبروا العمال الفلسطينيين تنزيل تطبيق "المنسق" لتأمين تصاريح العمل بعد نيسان / أبريل 2020. وفقًا لائتلاف الحقوق الرقمية الفلسطيني، هذا التطبيق الإسرائيلي الذي طورته وزارة الدفاع الإسرائيلية يجمع المعلومات والبيانات الشخصية من الهواتف المحمولة للعمال الفلسطينيين، مما يتيح لإسرائيل الفرصة لابتزازهم واستغلالهم وإذلالهم. علاوة على ذلك، وردت أنباء عن قيام جنود إسرائيليين بضرب وإهانة وسرقة العمال تحت تهديد السلاح بالقرب من نقاط التفتيش العسكرية، والذي يشكل انتهاك لحقهم في الوصول بحرية إلى أماكن عملهم. كما طارد الجنود الفلسطينيين في طريقهم إلى العمل، وأطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع على العمال دون تصاريح، مما أدى في النهاية إلى مقتل فلسطينيين اثنين في أوائل عام 2021.
يساهم العمال الفلسطينيون في إسرائيل بنحو 3.25 مليار دولار سنويًا في الاقتصاد الفلسطيني، أي 71 دولارًا لكل عامل يوميًا. لكن في عام 2020، انخفض عدد العمال الفلسطينيين في الأراضي الإسرائيلية بنحو 34 ألف عامل، ورفض أرباب العمل الإسرائيليون تعويض العمال الفلسطينيين الذين امتثلوا لأوامر السلطة الفلسطينية بالبقاء في المنزل وخفضوا متوسط أجرهم اليومي، الأمر الذي يشكل انتهاك للقوانين الإسرائيلية التي تحظر التمييز على أساس الجنسية. وتشكل هذه التطورات ثلث خسائر الاقتصاد الفلسطيني في عام 2020 (أي 2.5 مليار دولار).
وبالفعل، منذ بداية جائحة كوفيد-19، انكمش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 11.5٪، وانخفضت الإيرادات الحكومية بنسبة 20٪، وارتفع العجز المالي إلى 9.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل الدين المحلي إلى 15٪. ونظراً لعدم قدرة الاقتصاد الفلسطيني على استيعاب العمال المتضررين من الوباء، فمن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في الضفة الغربية وغزة إلى حوالي 31٪ بنهاية عام 2021. وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يتعمق الاعتماد القسري للاقتصاد الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة فيما يتعلق بالعمالة.
من أجل حماية حقوق العمال الفلسطينيين في إسرائيل ومستوطناتها غير الشرعية:
- يجب على السلطة الفلسطينية الضغط على المجتمع الدولي لتكثيف الجهود لحماية حقوق العمال الفلسطينيين، بما في ذلك في المحكمة الجنائية الدولية.
- يجب على حركة المقاطعة BDS أن تركز بشكل أكبر على انتهاك حقوق العمال الفلسطينيين في دعوتها للمقاطعة.
- يجب أن يدعم الاتحاد العام لنقابات العمال الفلسطينية جهود العمال الفلسطينيين في الأراضي الإسرائيلية لتأسيس نقابة مستقلة، ودمجهم في النضال التحرري الأوسع من خلال معاملة العمال من الضفة الغربية وغزة والأراضي الإسرائيلية على قدم المساواة.
- على المنظمات الحقوقية الرقمية الفلسطينية والعربية حشد منظمات حقوق الإنسان الدولية حول منع استخدام تطبيق "المنسق".
- على منظمات حقوق العمال الإقليمية والدولية الضغط على الجهات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق العمال الفلسطينيين للتوقف عن هذه الانتهاكات.
نظرة عامة
تعرضت حقوق العمال الفلسطينيين1 في إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية، لانتهاكات متزايدة منذ تفشي وباء كوفيد-19. ففي 17 آذار/ مارس 2020، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت عن سلسلة من الأحكام الخاصة لتنظيم عمل وإيواء العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية في محاولة للحد من حالات كوفيد- 19المتزايدة بين السكان الإسرائيليين. في حين أن البنود سمحت لمن لديهم تصاريح عمل ومن هم دون سن الخمسين بالدخول إلى الأراضي الإسرائيلية والخروج منها، إلا أنها طالبت العمال بتنسيق عملهم وإقامتهم مع أرباب عملهم الإسرائيليين، ومنعتهم من العودة إلى الضفة الغربية خلال فترة عملهم.2
بالإضافة إلى هذه الأحكام الصارمة، أمر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه هؤلاء العمال بالعودة والحجر الصحي في منازلهم مدة 14 يومًا، وطالب الأجهزة الأمنية الفلسطينية ولجان الطوارئ الشعبية المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية بتشديد الإجراءات الأمنية لمنع العمال من التنقل. جاء هذا الإعلان مع تسجيل الحكومة الفلسطينية أول حالة وفاة لسيدة فلسطينية من بلدة بدو شمال غرب القدس، نُقل إليها فيروس كوفيد-19 عن طريق ابنها العامل في مستوطنة عطروت الصناعية في مدينة القدس.
وفي حين التزم آلاف العمال بقرار الحكومة الفلسطينية حرصًا منهم على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، عاد نحو أربعين ألف عامل إلى أماكن عملهم في إسرائيل والمستوطنات مطلع أيار/ مايو 2020، مخاطرين بحياتهم، إذ ارتفعت معدلات الإصابة والوفيات بكوفيد-19 في إسرائيل بمعدلات أعلى بكثير منها في الضفة الغربية وغزة. وقد جاءت هذه العودة مع التوقيع على اتفاق فلسطيني-إسرائيلي مشترك قامت بموجبه السلطة الفلسطينية بتطبيق أحكام بينيت المتعلقة بعمل وإيواء العمال الفلسطينيين. وعلى الرغم من ذلك، لم يفعل النظام الإسرائيلي الكثير لحماية هؤلاء العمال من العدوى، بل زاد من انتهاكاته المنهجية لحقوقهم العمالية والإنسانية.
يسلط هذا الموجز السياسي الضوء على انتهاكات النظام الإسرائيلي لحقوق العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات قبل جائحة كوفيد-19 وخلالها، ويجادل بأن هذه الانتهاكات أصبحت أكثر وضوحًا منذ اندلاع الجائحة. ويختتم بتوصيات لحماية العمال الفلسطينيين.
خنق إسرائيل لسوق العمل الفلسطيني
بدأ فلسطينيو الضفة الغربية في التدفق إلى إسرائيل والمستوطنات في أعقاب حرب عام 1967، حين احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان. وقد تضافر عاملان في زيادة هذا التدفق، هما: حاجة المشروع الاستيطاني إلى توظيف العمال كي يزدهر، وحاجة الفلسطينيين الماسة إلى التوظيف بعد أن بات الاقتصاد الفلسطيني مدمرًا في أعقاب حرب عام 1948؛ ونظرًا إلى أن النظام الإسرائيلي كان في إمكانه أن يوفر أجورًا أعلى وفرص عمل أكثر، سارع الفلسطينيون إلى شغل هذه الوظائف. وكان الغرض الرئيس من استيعاب تدفق حركة العاملين الفلسطينيين هو حرص إسرائيل على السيطرة على عناصر الإنتاج الفلسطينية الرئيسة، بهدف إضعافه واستنزافه والتحكم فيه وإلحاقه قسرًا بالاقتصاد الإسرائيلي.
أصبح الفلسطينيون منذ ذلك الحين قوة عاملة رئيسة داخل إسرائيل، ولا سيما في قطاعي البناء والخدمات، إذ ارتفع عددهم من 20 ألف عامل في عام 1970 إلى 116 ألفًا في عام 1992، بزيادة بمعدل 6.3% سنويًا. وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993، وبروتوكول باريس الذي تلاه عام 1994، والذي دمج الاقتصاد الفلسطيني رسميًا في إسرائيل وأغلق الحدود الفلسطينية أمام الاقتصاد العالمي، فرضت إسرائيل قيودًا على حركة العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، وقامت بتحديد عدد تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين. ومع ذلك، زاد تدفق العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل والمستوطنات من 95 ألفًا في عام 1995 إلى 133 ألف عامل عام 2019،3 وهذا أعلى رقم سُجل.
تندرج تصاريح العمل ضمن مسعىً عسكري إسرائيلي مستمر لإدارة الفلسطينيين وضبطهم وحصرهم في أماكن عمل تنتهك معايير وقوانين العمل الدولية Share on Xوفي حين أن قوة الفلسطينيين الديموغرافية في الضفة الغربية وغزة تضاعفت أكثر من خمس مرات خلال الفترة 1967-2020، من نحو 965 ألف فلسطيني عام 1967 إلى 5.1 ملايين فلسطيني عام 2020، أكثر من نصفهم تقريبًا من بين الأفراد في سن العمل (15 سنة فأكثر)، نجد أن الاقتصاد الفلسطيني لم يتمكن من توليد فرص عمل جديدة لاستيعاب هذه القوة الديموغرافية. ونتيجة لذلك، تراجع التوزيع النسبي للعاملين الفلسطينيين في القطاعين العام والخاص الفلسطينيين، بينما ارتفع التوزيع النسبي للعاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات.
وخير مثال على ذلك ما يحصل منذ انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهي الفترة التي شهدت قفزة ملحوظة في عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، كما هو مبين في الجدول أدناه:
الفئة/ السنة | 2005 | 2019 |
التوزيع النسبي للعمال في إسرائيل والمستوطنات | 9.3% | 13.2% |
التوزيع النسبي للعاملين في القطاع العام الفلسطيني | 22.5% | 20.7% |
التوزيع النسبي للعاملين في القطاع الخاص الفلسطيني | 68.2% | 66.1% |
العاملين لحسابهم الخاص أو من هم أصحاب عمل | 26.1% | 18.1% |
الجدول من إعداد الباحث بالاستناد إلى تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عامي 2005 و2019
وعلى الرغم من أن القدرة على العمل في إسرائيل والمستوطنات، سمحت للفلسطينيين بالعثور على فرص عمل وكسب دخل أعلى (وإن كان في المتوسط أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في إسرائيل) وتحسين ظروفهم الاقتصادية منذ أواخر الستينيات، إلا أن هؤلاء العمال يعانون من ظروف عمل سيئة، ويفتقرون إلى تدابير السلامة والتأمين المناسبين، وغالبًا ما يشكون من انتهاكات قوانين العمل الإسرائيلية ومعايير ومواثيق العمل الدولية، التي صادقت عليها إسرائيل، ولا سيما فيما يتعلق بالأجور، وساعات العمل، وسياسات الإجازة. وقد تفاقمت هذه الظروف منذ جائحة كوفيد-19.
علاوة على ذلك، فإن سيطرة إسرائيل على عوامل الإنتاج الرئيسة في الاقتصاد الفلسطيني أعاقت قدرتها على خلق فرص عمل؛ فتواصُل إسرائيل السيطرة على الأراضي الفلسطينية والموارد الطبيعية فيها أجبر حوالي ربع سكان الضفة الغربية على التخلي عن العمل في عدة قطاعات حيوية، ولا سيما القطاع الزراعي، الذي كان مصدرًا رئيسيًا للتوظيف وسبل العيش الفلسطيني قبل اتفاقيات أوسلو. ومنذ اتفاق 1993، أدى توسيع المستوطنات وسرقة الأراضي والموارد الطبيعية الفلسطينية إلى شل الاقتصاد الفلسطيني، مما أجبر الفلسطينيين على التخلي عن أراضيهم والبحث عن عمل في إسرائيل والمستوطنات. ومن ثم، خلقت إسرائيل فجوة هيكلية ملحوظة بين تكاليف الإنتاج بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، ولصالح الأخير، ما أدى إلى زيادة نسبة الواردات الإسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية، ما ساهم في زيادة مطردة في عجز الميزان التجاري الفلسطيني.
وفضلًا عن ذلك، منذ عام 1967، أدى إنشاء إسرائيل لنقاط التفتيش العسكرية إلى تقييد حركة الفلسطينيين وتبادل السلع والبضائع بين المدن والقرى الفلسطينية. وضمن هذا المشهد المجزأ الذي يخدم المصالح الاقتصادية لإسرائيل في نهاية المطاف، يُسمح فقط للفلسطينيين الحاصلين على تصاريح عمل صادرة عن النظام الإسرائيلي بالدخول والخروج إلى ومن المستوطنات والقدس وإسرائيل. وتندرج تصاريح العمل ضمن مسعىً عسكري إسرائيلي بدأ عام 1967 لإدارة الفلسطينيين وضبطهم وحصرهم في أماكن عمل تنتهك معايير وقوانين العمل الدولية، مما يعرضهم باستمرار لخطر كبير.
كوفيد-19 والانتهاكات الإسرائيلية بحق العمال الفلسطينيين
بعد عقود من قيام النظام الإسرائيلي بإحباط الجهود الفلسطينية عمدًا لبناء اقتصاد يمكنه استيعاب الفلسطينيين في سن العمل، لم يكن لدى العمال الفلسطينيين بدائل للتوظيف داخل الضفة الغربية وغزة. وقد شكل ذلك مشكلة خطيرة للعمال بعد انتشار جائحة كوفيد-19، التي انتشرت بمعدل ينذر بالخطر في إسرائيل في بداية عام 2020، ومع ارتفاع معدلات الإصابة وظروف العمل السيئة، كان العمال الفلسطينيون هم الناقلين الرئيسيين للفيروس في الضفة الغربية.
كانت الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق العمال الفلسطينيين موثقة جيدًا قبل اندلاع كوفيد-19، بما في ذلك الضغط للتعاون مع المخابرات الإسرائيلية مقابل تصاريح العمل. ومنذ تفشي المرض، ازدادت هذه الانتهاكات.
في نيسان/ أبريل 2020، ومع انتشار الوباء على نطاق واسع في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، طُلب من العمال الفلسطينيين تنزيل تطبيق “المنسق”، وهو تطبيق إسرائيلي للهاتف المحمول طوِّرَ في شباط/ فبراير 2019 من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية بطلبٍ من الإدارة المدنية الإسرائيلية لتحسين إدارة الطلبات الفلسطينية للحصول على تصاريح إسرائيلية. ومع ذلك، يشير الائتلاف الأهلي للحقوق الرقمية الفلسطينية إلى أن تنزيل التطبيق يوفر لإسرائيل فرصة لمزيد من ابتزاز الفلسطينيين واستغلالهم وإذلالهم.
سلط كوفيد-19 الضوء على الظروف الخطرة التي يواجهها العمال الفلسطينيون، مبينًا تحول حاجتهم إلى الحفاظ على مصدر رزقهم بالعمل في إسرائيل والمستوطنات، إلى سياق كامل لإنتاج الموت Share on Xوأثناء الوباء، بينما تظل السيطرة الديموغرافية مصدر قلق بالغ للحكومات، خدم التطبيق استراتيجيات النظام الإسرائيلي لإدارة السكان بشكل مثالي. فيجمع التطبيق المعلومات والبيانات الشخصية من الهواتف المحمولة للعمال الفلسطينيين، بما في ذلك موقع الجهاز والمكالمات الواردة والصادرة والصور ومقاطع الفيديو والرسائل والبريد الإلكتروني وبيانات من تطبيقات أخرى. إن إجبار العمال الفلسطينيين على تنزيل هذا التطبيق من أجل الوصول والعمل على الأراضي الفلسطينية المستعمرة، هو آلية أخرى في تاريخ الاستغلال والإذلال والابتزاز الإسرائيلي للفلسطينيين.
عانى العمال الفلسطينيون أيضًا منذ بدء الوباء من المزيد من الانتهاكات على أيدي الجنود الإسرائيليين وهم في طريقهم إلى العمل، ولا سيما حقهم في الوصول الحر إلى أماكن عملهم. وتداولت وسائل إعلام إسرائيلية ودولية في 17 آب/ أغسطس 2020 أدلة على أنواع جرائم النظام الإسرائيلي التي ارتُكبت منذ أيار/ مايو 2020، وشمل ذلك تسجيل جنود إسرائيليين يقومون بضرب وإهانة وسرقة عمال فلسطينيين تحت تهديد السلاح في أثناء عبورهم نقاط التفتيش العسكرية في جنوب الضفة الغربية للوصول إلى أماكن عملهم.
كما رُصِد إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي قنابل الغاز السام المسيل للدموع باتجاه العمال الذين يعبرون الحواجز الإسرائيلية أو باتجاه أولئك الذين ليس لديهم تصاريح، والذين يحاولون اختراق جدار الفصل العنصري الإسرائيلي من خلال فتحاته العشوائية، فضلًا عن مطاردة وملاحقة العمال الفلسطينيين في طريقهم إلى العمل. وقد ازدادت حدّة هذه الانتهاكات حتى وصلت إلى حد قتل عمال فلسطينيين في أثناء توجههم إلى العمل. وقد بيّنت حادثة استشهاد العامل الفلسطيني، فؤاد سبتي في 24 كانون الثاني/ يناير 2021 من طولكرم، وحادثة استشهاد العامل الفلسطيني، شريف راجح ارزيقات، في 14 شباط/ فبراير 2021 من الخليل، بشاعة هذه الانتهاكات في زمن كوفيد-19.
في الواقع، سلط كوفيد-19 الضوء على الظروف الخطرة التي يواجهها العمال الفلسطينيون، مبينًا تحول حاجتهم إلى الحفاظ على مصدر رزقهم بالعمل في إسرائيل والمستوطنات، إلى سياق كامل لإنتاج الموت.
فعلى سبيل المثال، يعرض العمال أنفسهم لخطر الموت في أثناء مبيتهم في إسرائيل، نظرًا إلى عدم توفر إجراءات السلامة العامة في أماكن المبيت. روى عمال فلسطينيون أنهم ينامون في مجموعات كبيرة في مواقع ورش البناء أو في المستودعات على أرض المصانع أو في الحدائق والمنشآت والدفيئات الزراعية، دون الحصول على فراش أو أغطية نظيفة من المشغلين الإسرائيليين، ودون توفير مراحيض ومعدات وقائية للمحافظة على نظافة العمال الشخصية. وفي أيار/ مايو 2020، انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة واسعة من الصور لأماكن مبيت العمال غير الصحيَّة في ورش البناء والمستودعات، والمفتقرة لشروط العيش الصحية. فضلًا عن ذلك، لم يتح لهؤلاء العمال إمكانية توفير المأكل والمشرب في أماكن المبيت بسبب فرض حظر التنقل في إسرائيل والمستوطنات.
وعلى إثر ذلك، اشتكى العمال الفلسطينيون من غياب الإجراءات الوقائية في أماكن العمل، وامتناع المشغلين الإسرائيليين من إجراء الفحوص الطبية اللازمة أو تقديم العلاج المناسب لهم في حال إصابتهم بكوفيد-19، فما كان من السلطات الإسرائيلية سوى طردهم أو إلقائهم على الحواجز الإسرائيلية. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، التسجيل المصور الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي للعامل الفلسطيني، مالك غانم، الذي ألقته السلطات الإسرائيلية على قارعة الطريق عند حاجز بيت سيرا، القريب من مدينة رام الله، بعد شكوك بإصابته بكوفيد-19. وأعقب ذلك حوادث مماثلة في أنحاء الضفة الغربية المختلفة.
تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني
يساهم العمال الفلسطينيون في إسرائيل في تحريك عجلة الاقتصاد الفلسطيني بنحو 3.25 مليارات دولار أميركي سنويًا، وبمتوسط 271 مليون دولار أميركي شهريًا، وبمعدل 71 دولارًا أميركيًا للعامل في اليوم الواحد. في المقابل، يبلغ الحد الأدنى للأجور في الضفة الغربية حوالي 400 دولار أميركي شهريًا، في حين بلغ الحد الأدنى للأجور في غزة نحو 206 دولارت أميركية.4 وهذا يعني أن متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في إسرائيل والمستوطنات يساوي أكثر من ضعف متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في القطاعين العام والخاص في الضفة، وأكثر من أربعة أضعاف متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في القطاعين العام والخاص في غزة.
رفض أرباب العمل الإسرائيليون تعويض (العمال الفلسطينيين) عن غيابهم القسري عن العمل، ما تسبب في خسائر مالية قُدّرت بنحو 250 مليون دولار أميركي في عام 2020 Share on Xتحظى عائدات هؤلاء العمال بأهمية قصوى في تعزيز أداء الاقتصاد الفلسطيني، وأي تأثير على دخول هؤلاء العمال من قبيل خسارة الفلسطينيين وظائفهم في إسرائيل والمستوطنات يؤثر مباشرة على مئات الآلاف من العائلات الفلسطينية التي تعتمد على هذا الدخل.5 ويظهر ذلك جليًا في انخفاض عدد العاملين في اسرائيل والمستوطنات نهاية عام 2020 بحوالي 34 ألف عامل. وتتركز مؤشرات الانخفاض بشكل واضح في قطاع البناء والإنشاءات، الذي يصل عدد العاملين الفلسطينيين فيه إلى نحو 70 ألفًا، بنسبة 15% من مجموع العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، يليه قطاع الزراعة بانخفاض وصل إلى 9%. زِد على ذلك، خَسر نحو 8 آلاف عامل عمله في إسرائيل والمستوطنات مع نهاية عام 2020، بسبب تسريح كل العمال الذين تتجاوز أعمارهم 50 عامًا كنتيجة مباشرة للأحكام الإسرائيلية الخاصة التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية لتنظيم العمالة الفلسطينية أثناء الوباء.
وقد عانى الكثير من الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية من تخفيض أجورهم منذ أبريل/ نيسان 2020، وهو انتهاك لقوانين العمل الإسرائيلية التي تحظر التمييز على أساس الجنسية، حيث خفض أرباب العمل الإسرائيليون متوسط الأجر اليومي للعمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات في النصف الأول من عام 2020 من 82 دولارًا إلى 76 دولارًا. وفي حين أنهم رفعوه إلى 80 دولارًا في النصف الثاني من نفس العام، إلا أن هذا لا يزال أقل من مستوى ما قبل الجائحة. علاوة على ذلك، عندما التزم العمال الفلسطينيون بأمر السلطة الفلسطينية بالامتناع عن العمل في المناطق الإسرائيلية، رفض أرباب العمل الإسرائيليون تعويضهم عن غيابهم القسري عن العمل، ما تسبب في خسائر مالية قُدّرت بنحو 250 مليون دولار أميركي في عام 2020.
وقد أثر انخفاض عدد العاملين وتقلص أجورهم وتعويضاتهم في زمن كوفيد-19 على الاقتصاد الفلسطيني بشكل خطير، حيث شكلا ثلث خسائر الاقتصاد الفلسطيني في عام 2020، والتي وصلت إلى 2.5 مليار دولار أميركي. وفي آذار/ مارس 2021، أعلنت السلطة الفلسطينية أن الاقتصاد الفلسطيني انكمش بنسبة 11.5% في العام الماضي، وانخفضت الإيرادات الحكومية بنسبة 20%، وارتفع العجز المالي إلى 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل الدين المحلي إلى 15%.
على الرغم من أن إسرائيل قامت بتلقيح حوالي 100 ألف عامل فلسطيني منذ آذار/ مارس 2021، فإن حالة عدم اليقين التي تحيط بالانتعاش الاقتصادي وإطلاق لقاح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني سيستمر في المعاناة. ومن المتوقع أن يزداد اعتماد الاقتصاد الفلسطيني القسري على الاقتصاد الإسرائيلي، ولا سيما على صعيد العمالة والتوظيف، نظرًا لعجز الاقتصاد الفلسطيني عن استيعاب العمال المتضررين من الوباء بالإضافة إلى باحثين عن عمل جدد. كما يُتوقع ارتفاع نسبة البطالة في الضفة الغربية وغزة من 26% في نهاية عام 2020 إلى حوالي 31% بنهاية عام 2021.
توصيات سياساتية
فيما يلي توصيات سياستية لإنهاء الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات:
- يجب على السلطة الفلسطينية الضغط على المجتمع الدولي لتعزيز المساعي القانونية لحماية حقوق العمال الفلسطينيين.
- على السلطة الفلسطينية إدراج انتهاكات حقوق العمال الفلسطينيين في قضاياها القانونية ضد النظام الإسرائيلي في المحكمة الجنائية الدولية، من أجل محاسبة السياسيين وأصحاب العمل والشركات الإسرائيليين.
- يجب على حركة المقاطعة (BDS) أن تزيد من تركيز انتهاك حقوق العمال الفلسطينيين في دعوتها لمقاطعة الشركات الإسرائيلية.
- على الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين أن يدعم جهود العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات في إنشاء نقابة عمالية فلسطينية مستقلة تحمي حقوقهم النقابية، وتدمجهم في النضال السياسي من أجل التحرر من الاستعمار الإسرائيلي.
- يجب على النقابة العمالية تطوير خطاب نقابي وسياسي يعامل جميع العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات – سواء من الضفة الغربية أو غزة أو إسرائيل على قدم المساواة.
- يجب على المنظمات الحقوقية الرقمية الفلسطينية والعربية حشد منظمات حقوق الإنسان الدولية حول منع استخدام تطبيق “المنسق” المخصص لجمع البيانات الشخصية من العمال الفلسطينيين.
- على منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية التي تركز على ضغط السياسيين الإسرائيليين وأرباب العمل والشركات التي تنتهك حقوق العمال الفلسطينيين للتوقف عن هذه الانتهاكات.
- يشير مصطلح “العمال الفلسطينيون” في هذه الورقة السياساتية فقط إلى أولئك الذين يحملون بطاقات هوية الضفة الغربية ويعملون في المستوطنات الإسرائيلية أو في إسرائيل، فلا يشمل تجارب العمل الأوسع للمقدسيين والفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والذين يعملون في المناطق الإسرائيلية.
- لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
- من المتوقع أن يكون عدد العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل والمستوطنات أعلى من ذلك بكثير، وهذا في حال إضافة العاملين الفلسطينيين الذين يعملون بدون تصاريح عمل، والعاملين الفلسطينيين الذين يحملون تصاريح تجار أو احتياجات خاصة لأغراض العمل.
- اُحتسب الحد الأدنى للأجور بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (11) لسنة 2012، القاضي بأن يكون الحد الأدنى للأجر الشهري في جميع مناطق السلطة الفلسطينية، وفي جميع القطاعات مبلغًا وقدره (1450 شيقل).
- انظر: “كيف تخنق المستوطنات الإسرائيلية الاقتصاد الفلسطيني” بقلم نور عرفة وسامية البطمة وليلى فرسخ (2015) لتحليل بديل حول دور المستوطنات الإسرائيلية في الاقتصاد الفلسطيني.