Unfreezing the Right of Return: First Stop, Gaza

لمحة عامة

يرى مستشار الشبكة لشؤون السياسات منير نسيبة أنه ينبغي للسلطات الفلسطينية أن تَشرَع على الفور في تنفيذ حق العودة دون أن تلتفت لإسرائيل. ويشير الكاتب إلى الأخطار والمصاعب السياسية والمادية التي تنطوي عليها هذه العملية، وفي الوقت نفسه، يُقِيم حجتَه بعناية في هذه المقالة تأييدًا لهذه الخطوة. ويُبرز أيضًا الالتزامات القانونية، وكيف أن الاحتلال المتواصل لغزة لا يجب أن يشكل عائقًا، ويحدد كذلك الخطوات العملية اللازمة للبدء في تنفيذ حق العودة بغض النظر عن محدودية التنفيذ.

الحُجة القانونية من أجل عودة الغزِّيين المهجرين

لقد هجرت إسرائيل عدداً كبيراً من الفلسطينيين من قطاع غزة ومنعتهم من العودة في مناسبات مختلفة باتباع أساليب متنوعة. فقد شرَّدت الكثيرين منهم إبان حربي 1956 و1967، ولا يزالون يقيمون كلاجئين في مصر والأردن وأماكن أخرى. وتمكّن آخرون من البقاء في قطاع غزة بعد حرب 1967، وشملهم الإحصاء الإسرائيلي وأُصدِرت لهم بطاقات هوية حمراء اللون. غير أن إسرائيل هجَّرتهم قسريًا في وقت لاحق بموجب انتهاجها لسياسة في سحب الإقامات، حيث اتبعت أسلوبين في تشريدهم: أولًا، أصدرت إسرائيل للفلسطينيين المسافرين إلى الخارج تصاريح مغادرة أو وثائق سفر إسرائيلية تحمل تاريخ انتهاء؛ فلمّا انتهت صلاحيتها، لم يُسمح لأولئك الفلسطينيين بالعودة وتحولت إقامتهم إلى ما سمته إسرائيل “إقامة منتهية“. وثانيًا، اعتبرت مَن لم يشارك في إحصائيها السكانيين في عامي 1981 و1988 من أصحاب الإقامة المنتهية أيضًا. واستمرت إسرائيل في ممارسة هذه السياسة حتى عام 1995 بعد قيام السلطة الفلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم توقف العمل بهذه السياسية إلا بعد دخول اتفاقية السلام الانتقالية حيَّز النفاذ. وأسفرت تلك السياسة عن إلغاءِ إقامة 108,978 فلسطينيًا، وهو رقمٌ ظلّ مجهولًا حتى الصيف الفائت حين تقدمت منظمة هموكيد الحقوقية الإسرائيلية بطلبٍ بموجب قانون حرية المعلومات.

من الواضح أن إسرائيل، التي ما انفكت تمارس التشريد الجماعي بحق الشعب الفلسطيني منذ 1947، مسؤولةٌ عن تهجيرهم قسرياً، وأن القادة الذين أصدروا الأوامر بتشريدهم مسؤولون جنائيًا وفقًا للقانون الجنائي الدولي، استناداً إلى نص اتفاقية جنيف الرابعة وقانون حقوق الإنسان. فالجديد ليس مسؤوليةَ إسرائيل عن تشريد الفلسطينيين وعدمَ قانونيته، وإنما هو وجود سلطات بوسعها أن تفتح باب العودة دون نفي مسؤولية إسرائيل بأي حالٍ من الأحوال.

فقد أنهت إسرائيل وجودها المادي وألغت نظامها القانوني العسكري في قطاع غزة عندما “فكّت ارتباطها” بشكل أحادي الجانب مع القطاع، ولكنها لا تزال قوة الاحتلال لأنها تتحكم تحكمًا مطلقًا بأرض غزة وبحرها وسمائها. ومع ذلك، فإن الإطاحة بنظام مبارك في مصر تبعث على الأمل في فتح معبر رفح الحدودي بوتيرة منتظمة، حتى وإن كانت حكومة الرئيس محمد مرسي لا تزال تطبق المبادئ التوجيهية الإسرائيلية الناظمة لحركة المرور في المعبر.

إن التغير المحتمل في النظام الحاكم لمعبر رفح يُلقي بمسؤوليةٍ جسيمةٍ وحالّة على كاهل السلطة الفلسطينية في رام الله، وحكومة الأمر الواقع في غزة، و/أو منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك على الحكومة المصرية من أجل تسهيل عودة كلِّ مَن جرى تشريده من قطاع غزة، بغض النظر عن كيف تهجر ومتى. وبالطبع، لن تتعاون إسرائيل، ولكن ليس هناك ما يمنع السلطات الفلسطينية ومصر من تفعيل حق العودة قدر الإمكان وإرساء عمليةٍ للعودة واسترداد الممتلكات.

ثمة ضرورةٌ ملحة تحتم على السلطات الفلسطينية أن تتحرك لسببين رئيسين. فأولًا، هناك التزام قانوني دولي يقتضي من أي سلطة تسيطر على منطقةٍ شُرِّد منها أفرادها بأن تسمح بعودتهم إلى وطنهم بصرف النظر عمّا إذا كانت مسؤولةً عن تشريدهم أم لا. أما ثانيًا، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية والجامعة العربية وغالبية دول العالم ظلّوا لعقودٍ ينادون بحق عودة اللاجئين، وهو حقٌ حالت دون إعماله عوائقُ ماديةٌ وتنظيميةٌ إسرائيلية. ورغم أن ممارسة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الضفة الغربية بما فيها القدس وإلى المدن والقرى الواقعة فيما بات يُعرف بإسرائيل عقب 1948 لا تزال متعذرةً بكل أسف، فإن ذلك لا يجب أن يؤثر في حق أولئك المهجرين من غزة في العودة. وينبغي للسلطات الفلسطينية، لكي تُثبت أنها جادةٌ بشأن حق العودة، أن تُصدِر إعلانًا صريحًا يدعو إلى العودة ويضع الترتيبات العملية لذلك.

العودة – رغم الاحتلال المتواصل لغزة

إن استمرار إسرائيل في احتلال قطاع غزة لغاية الآن لا يُعطِّل التنفيذ الفوري لحق العودة ولا ينتقص من المسؤولية الملقاة على إسرائيل والسلطات الفلسطينية والمصرية. فليس لِزامًا أن تكون منطقةٌ ما محررةً من الاحتلال قبل أن يُسمَح للاجئين والمهجرين داخليًا بالعودة إليها. بل إن الأمم المتحدة طالبت إسرائيل مرارًا وتكرارًا بالسماح فورًا بعودة المشردين من المناطق المحتلة عام 1967 بينما لا تزال تلك المناطق تحت الاحتلال. فعلى سبيل المثال، طالب القرار رقم 237 الصادر سنة 1967 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إسرائيلَ “بتسهيل عودة أولئك الذين فرّوا من المناطق [التي جرت فيها عمليات عسكرية] منذ نشوب القتال.” وظلت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ ذلك الحين تُصدر قرارات سنويًا تطالب إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن، ومنها قرارا الجمعية العامة رقم 2452 لسنة 1968 ورقم 2535 لسنة 1969 الذين طالبا إسرائيل باتخاذ “خطوات فعالة وفورية” لضمان عودة الذين فروا من نشوب القتال، وتضمّن القرار 2535 حق “المشردين واللاجئين” و”حقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف.” واستمر التأكيد على حق المشردين في العودة بعد انطلاق عملية السلام، مع الدعوة إلى “تسريع العودة عبر آلية يتفق عليها الأطراف” (مثل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 50/28ج الصادر سنة 1995). وبعبارة أخرى، لم تربط الأمم المتحدة عودة المشردين بانتهاء الاحتلال قط.

إن من الأهمية بمكان أيضًا أن نلاحظ بأن إسرائيل نفسها لم تتبنَّ من حيث المبدأ موقفًا مناهضًا لعودة المشردين من غزة والضفة الغربية، مع أن الاحتلال كان لا يزال قائمًا، إذ تنص اتفاقية كامب ديفيد الإطارية الموقعة بين مصر وإسرائيل على أن تتفق لجنة تضم “ممثلين من مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتي [الفلسطينية]” على وسائل لإعادة الأفراد الذين طردوا من الضفة الغربية وغزة في عام 1967 (الضفة الغربية وغزة، المادة 3/سادسًا).

وبالمثل، تنص معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة سنة 1994 على التفاوض بشأن محنة “النازحين ضمن لجنة رباعية بالاشتراك مع مصر والفلسطينيين” (المادة 8/2). وينص إعلان المبادئ أيضًا الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على “ترتيبات التعاون” بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن ومصر لاتخاذ قرار بشأن طرائق العودة (المادة 12). وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي المؤقت نص على أن “لجنة مشتركة” سوف “تحل مسألة إعادة إصدار بطاقات الهوية” للذين أُلغيت إقامتهم (الملحق الثالث، المادة 28/3).

ينمّ كلُّ ما تقدم عن اعترافٍ بحق المشردين في العودة إلى ديارهم في الأرض الفلسطينية المحتلة. غير أن إسرائيل استخدمت حيلًا وأساليب متنوعة أثناء التفاوض على مبادئ إعادة المشردين سنة 1967 إلى وطنهم لكي تضمن أن ذلك لن يتحقق أبدًا. ولكن يجدر التركيز على أنه لم يكن هناك افتراضٌ قط بضرورة إنهاء الاحتلال قبل عودة أي لاجئ أو مهجر.

تبديد العقبات الأخرى في سبيل العودة إلى غزة

تتمثل إحدى العقبات الحقيقية الرئيسية التي يمكن أن تُثار بشأن عودة الغزِّيين المشردين في استمرار إسرائيل في التحكم بسجل السكان الفلسطيني بموجب الاتفاق المرحلي، وفي قرارها الصادر سنة 2000 بتجميد السجل وبالتالي الحيلولة دون جمع شمل العائلات أو عودة المشردين. وفي حين تظل الضفة الغربية تخضع لسيطرةٍ إسرائيلية تامةٍ ماديًا وتنظيميًا، فإن عدم إضافة أي اسم إلى النسخة الفلسطينية من سجل السكان يعني أيضًا عدم تمكِّن اللاجئين أو غيرهم من الفلسطينيين غير المسجلين من دخول الضفة الغربية والإقامة فيها. غير أن الوضع يختلف في قطاع غزة.

إن فك الارتباط الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة في 2005 وقيام مصر بتيسير حركة المرور عبر معبر رفح، وإنْ كان بموجب المبادئ التوجيهية المتفق عليها مع إسرائيل، يعني أن إسرائيل لم تعد تسيطر بالكامل على المعبر. فليس لها جنودٌ مرابطون عند المعبر لمنع الناس من الدخول، فلِمَ ينبغي لمصر أن تفعل ذلك؟ إن السماح بالعودة الفورية للغزِّيين المشردين لهو مسؤولية السلطات المتواجدة على الأرض، أي السلطات المصرية والفلسطينية.

وتنطوي إعادة المشردين إلى موطنهم إعادةً كاملة على وجوب منحهم وضعًا كباقي المواطنين. فلا ينبغي حرمانهم من بطاقات الهوية أو جوازات السفر، وتعريضهم إلى حقبة جديدة من الظلم. وعليه، فإن من الضروري، كجزءٍ من عملية العودة، أن تسجِّل السلطات الفلسطينية العائدين في نسختها من سجل السكان، وأن تُصدِر لهم بطاقات هوية وجوازات سفر سواء بموافقة إسرائيل أو عدمها. ذلك أن تجميد إسرائيل لسجل السكان يُعد انتهاكًا للاتفاق المرحلي نفسه، والأهم من ذلك أنه انتهاكٌ للقانون الدولي لحقوق الإنسان. لذا فإن إصدار بطاقات الهوية يأتي انسجامًا مع القانون الدولي. ولقد أعلنت قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله مؤخراً نيتها إصدار وثائق جديدة باسم دولة فلسطين للفلسطينيين، بمن فيهم أولئك الذين هجرتهم إسرائيل قسرياً إلى خارج حدود فلسطين. لا شك أن هذه الخطوة من شأنها أن تكون إيجابية إذا ما استفاد منها الفلسطينيون الذين هجروا قسرياً من قطاع غزة. ولكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أمرين: أولاً إعطاء من يريد ممارسة حق العودة إلى قطاع غزة الأولوية، وثانياً التأكد بأن لا تكون الهويات وجوازات السفر مختلفة عن نظيراتها في غزة نفسها، حتى لا يعاني العائدون من التمييز خصوصاً خلال سفرهم.

وتجدر الإشارةُ أيضًا إلى أنه لا حاجةَ للانتظار قبل فتح باب العودة أمام المشردين إلى حين إتمام المصالحة بين السلطتين الفلسطينيتين في الضفة الغربية وغزة، رغم أنها ضروريةٌ لأسباب عديدة. ولا حاجةَ أيضًا للتفكير في “شرعية” أيِّ من السلطتين أو الحكومتين؛ فلا علاقةَ لهذه المسألة بعملية العودة. وكما ذُكر أعلاه، فإن السلطة المسيطرة على منطقةٍ ما مُلزمَةٌ بالسماح للاجئين والمشردين بالعودة إليها. وأي تأجيلٍ لعودة مَن يستحقون فرصة العودة إلى ديارهم بسبب خلافات حول هوية السلطة صاحبة “الحكومة الشرعية” سوف يضيع هذه الفرصة التاريخية النادرة والثمينة التي تتيح للمرة الأولى تطبيق أحد أكثر الرموز أهميةً للشعب الفلسطيني.

لقد سنحت فرصةٌ في السابق لعودة المشردين إلى غزة إبان فك الارتباط الإسرائيلي بالقطاع سنة 2005. وحينها استشار مركز بديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين محامين من أجل النظر في وجود أي صعوبات ممكنة والنظر فيما إذا كانت هناك إرادةٌ سياسية للبدء في إعادة اللاجئين إلى غزة والعمل على استرداد ممتلكاتهم. غير أن السلطة الفلسطينية لم تتقبل الخطوة، وتهمَّشت تلك الجهود بعد سيطرة حماس على غزة والحرب الإسرائيلية التي تلت على القطاع. أمّا الآن، فقد عادت الفرصة من جديد، وينبغي لأولئك الذين قد يكونوا مسؤولين عن تأخير عودة الفلسطينيين أن يتذكروا أنهم مسؤولون أمام القانون الدولي.

يمكن الاستشهاد بعقبات كثيرة أخرى تحول دون عودة الغزِّيين المشردين، ومنها أن قطاع غزة ما فتئ يعاني أصلًا من مشاكل جسيمة ويُتوقع أن يغدو غير قابلٍ للسكن إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، وأن وضع الغزِّيين غيرُ مستقرٍ بوجه خاص في الأردن الذي يسعى إلى تقليل عدد سكانه الفلسطينيين وحقوقهم. ومع ذلك، فإنه يمكن التصدي لتلك العقبات جميعها كما سيأتي في القسم التالي.

وللأسف، فإن باقي اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين ليسوا مشمولين بهذه الفرصة لسببٍ وحيد وهو أن العوائق الإسرائيلية المادية والتنظيمية لا تزال قائمةً في الأماكن التي يُفترض باللاجئين أن يعودوا إليها. ومع ذلك، لا ينبغي لهذا أن يكون سببًا في تأخير عودةِ مَن يستطيعون ممارسة حق العودة.

سبيل العودة إلى غزة

إن إنصاف المشردين من غزة إنصافًا تامًا عمّا لَحق بهم من ظلمٍ على مدى فترةٍ طويلة لا يتحقق ببساطة بفتح الحدود لهم ومنحهم بطاقات هوية. فلا بد من وجود برنامجٍ شاملٍ للعدالة الانتقالية يتناول مختلف الشواغل والاحتياجات الخاصة بضحايا التشريد، ويمنحهم إحساسًا راسخًا بأن عودتهم سوف تمثل بدايةً جديدةً. لذا فإن من الضرورة اتباع المعايير العالمية المستخدمة في تنظيم عمليات العودة، وقد صاغ العديد من تلك المعايير المقررُ الخاص باولو سيرجيو بينهيرو في 2005 (وتُعرف بمبادئ بينهيرو وهي متاحةٌ باللغتين الإنجليزية والعربية ولغات أخرى). ويمكن إيجاز المسائل التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند تطبيق مبادئ بينهيرو على عودة المشردين إلى غزة في سبع خطوات:

  1. ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تصدر إعلانًا صريحًا يدعو المشردين من غزة إلى ممارسة حقهم في العودة الطوعية. وينبغي للإعلان أن يبين بحق أن العودة ممكنةٌ الآن إلى غزة فقط لأن العوائق المادية والتنظيمية الإسرائيلية لا تزال قائمةً على باقي أرض فلسطين/إسرائيل. وينبغي للإعلان أن يسمح للاجئين بممارسة “خيارٍ حر ومطّلع وفردي” (المبدأ 10-1). وينبغي ضمان رحلةٍ وعودةٍ كريمة للعائدين، وهي مسؤوليةٌ يتعين على السلطة الفلسطينية ومصر أن تأخذها على محمل الجد. ويجب إعطاء العائدين وقتًا لاتخاذ قرار واضحٍ ومطَّلع، ويمكن أن ينطوي ذلك على زيارة غزة قبل اتخاذ القرار النهائي بالعودة.
  2. يجب أن تتذكر البلدان المضيفة للاجئين والمشردين من غزة أن للاجئين الحق في عدم العودة. لذلك، لا ينبغي إجبار اللاجئين والمشردين على العودة إلى غزة (المبدأ 10-3).
  3. ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تسن التعديلات القانونية التي من شأنها أن تتيح إدخال المشردين الذين قرروا العودة وإعادة إدماجهم وتأهيلهم. وهذا يجب أن يشمل الحقَّ في سرعة التسجيل في سجل السكان وإصدار الوثائق المطلوبة مثل بطاقة الهوية وجواز السفر (المبدأ 18). وإذا اختار المشرد العائد أن يحصل على بطاقة الهوية وجواز السفر دون الإقامة فعليًا في غزة، فله ذلك.
  4. وضع برنامجٍ فورًا وبموازاة عملية العودة لاسترداد الممتلكات (ولا سيما العقارات) من أجل تيسير النظر قضائيًا أو إداريًا في مطالبات استرداد الممتلكات وإعطاء مَن يختار العودة ومَن لم يختر العودة الفرصةَ لاستعادة ممتلكاتهم (المبدأ 13).
  5. وضع سياسةٍ عادلةٍ بشأن الشاغلين الثانويين الذين يقيمون في عقارات العائدين. وفي الأحوال كافة، لا ينبغي طرد الشاغلين الثانويين تعسفًا من العقارات المتنازع عليها، ولا بد من تقييم احتياجاتهم بعناية وحمايتها (المبدأ 17).
  6. تكون إسرائيل مسؤولةٌ حصرًا عن تعويض الغزِّيين الفلسطينيين عن لجوئهم، كما هي الحال مع جميع الفلسطينيين. وتكون المسؤول الوحيد عن تعويض مَن يستحيل عليه أن يسترد ممتلكاته. ولكن من المستحسن أن تقدم السلطة الفلسطينية بعض التعويض، إمّا للأفراد وإمّا على هيئة برامج للتأهيل الجماعي، تنفذها ربما بمساعدة المجتمع الدولي (المبدأ 21). وهذا من شأنه أن يمنح المجتمع الدولي فرصةً لوضع أقواله موضعَ التنفيذ فيما يتعلق بإعادة الفلسطينيين المشردين عام 1967. إن انتظار إسرائيل كي تضطلع بالتزاماتها الدولية من شأنه بالتأكيد أن يؤخر عملية التأهيل وإعادة الإدماج، رغم أنه سيتعين عليها بالطبع أن تُسدد أي نفقات يتكبدها الفلسطينيون أو المجتمع الدولي.
  7. ينبغي توجيه تهم جنائيةٍ، حيثما أمكن، ضد الفاعلين الإسرائيليين وغيرهم المسؤولين عن سياسات التهجير القسري الماضية والحاضرة.

إن من الأهمية بمكان أن تُسمى هذه العملية باسم “العودة” نظرًا لتاريخ وسياق التشريد المستمر للفلسطينيين على يد إسرائيل. فاللغة المستخدمة في اتفاقات عديدة ضمن عملية السلام – من قبيل “طرائق الدخول” و”إعادة إصدار بطاقات الهوية” – مبنيةٌ على السياسة الإسرائيلية الأزلية المُنكِرة للمسؤولية. فلم يفقد الفلسطينيون بطاقات هويتهم بل جُرِّدوا من حقوقهم في الإقامة بطرقٍ إجرامية وغير شرعية. وعودة المشردين ليست مجرد عملية “إدخال” تُنفَّذُ بتعاون دولي، وإنما عودةٌ لأصحاب الحق في العودة بعد أن أُجبِروا بوسائل إجرامية وغير شرعية على التشرد. إن استخدام اللغة الصحيحة ينسجم تمامًا ومبادئ العدالة الانتقالية التي تشجع على الاعتراف بالجُرم المرتَكَب وتنبذ إنكاره.

تُعتبر العوائق المادية والتنظيمية الإسرائيلية السببَ الوحيدَ الذي يحول دون ممارسة اللاجئين والمشردين الفلسطينيين لحقهم في العودة الطوعية، لذا فإن ثمة فرصةً كُبرى ستضيع لو لم يُمارس هذا الحق، على الأقل جزئيًا، في منطقةٍ تخفُّ فيها هذه العوائق. فقد ناضلت الحركة الوطنية الفلسطينية لعقود من أجل حق العودة. ولن يكون مقبولًا أن لا تُستَغلَّ هذه الفرصة لإعمال هذا الحق.

صحيحٌ أن هذه الفرصة ستكون متاحةً لعدد قليل من اللاجئين والمشردين الفلسطينيين، ولكن لا ينبغي لذلك أن يؤثر في حقوق مَن يسعه أن يمارس هذا الحق، أفرادًا وجماعات. وينبغي للسلطة الفلسطينية أن تستحدث في القريب العاجل القوانين والإجراءات اللازمة وأن تُصدر إعلانًا صريحًا يدعو المشردين من غزة للعودة إليها إذا رغبوا. كما أن مصر مُلزَمةٌ بالسماح للعائدين بالمرور عبر أراضيها للوصول إلى ديارهم. فيجب أن نُبرهن للعالم أننا جادون بشأن حق العودة.

يود الكاتب أن يتقدم بالشكر لنادية حجاب على تعليقاتها النيرة، وعلى جهودها في تحرير هذه الورقة. كما يعبر الكاتب عن تقديره لكل من المراجعتين إنغرد جرادات ودينا قدومي على ملاحظاتهما القيمة.

منير نسيبة هو أكاديمي حقوقي من جامعة القدس في فلسطين، وهو أستاذ مساعد في كلية الحقوق في جامعة القدس بالإضافة إلى شغله منصب مدير (وأحد...

أحدث المنشورات

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
Skip to content