Article - Back to the Future: The Great March of Return

لا شك أن مسيرة العودة، المستمرة منذ 30 آذار/مارس، قد خلطت الأوراق وطرحت العديد من الأسئلة المحورية فيما يتعلق بجوهر القضية الفلسطينية والوضع في قطاع غزة. فعلى الرغم من قتامة الصورة في القطاع الذي سيصبح قريبًا غير قابل للحياة بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض بتواطؤ دولي ومحلي، إلا أن هناك بروز واضح لوعي جديد.1

استطاع هذا الوعي الجديد أن يخترق السياسات القديمة المهيمنة للقيادة اليمينية الحالية و”المعارضة” الشكلية التي اصطلحت على تسميتها باليسار الستاليني – المكون من الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، وإلى حد ما حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية. فهذه الأحزاب لم تتمكن حتى اللحظة من التخلص من التبعية الفكرية للاتحاد السوفيتي وما تزال تعتمد ماديًا على ما تقدمه القيادة اليمينية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبعبارة أخرى، تعتمد هذه الأحزاب في وجودها على السلطة الفلسطينية، وهي عاجزةٌ عن صياغة استراتيجيات مستقلة وفعالة.

وبالنظر إلى فشل الطبقة السياسية المهيمنة بعد 70 عامًا منذ النكبة الفلسطينية، و11 عامًا من حصار إبادي وصفته العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنه يشكل جريمة ضد الإنسانية بامتياز، و3 حروب قتلت ما يتخطى 4،000 طفل ورجل وامرأة، قرر سكان قطاع غزة التحرك سلميًا لتطبيق الشرعية الدولية بدءًا بقرار الأمم المتحدة 194 حول عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم.

الحقيقة أن النتيجة التي توصل إليها المجتمع المدني والقوى السياسية الحية في قطاع غزة هي أن قوة الشعب هي القوة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها، ولا سيما بعد أن أدارت القيادة الفلسطينية ظهرها للقطاع وفرضت عليه إجراءات عقابية منذ نيسان/أبريل 2017. ومن الواضح أن تجربة النضال ضد نظام الأبارثهيد قد ساهمت في إلهام النشطاء الفلسطينيين، بالذات التركيز في نهاية الثمانينيات على التعبئة الجماهيرية في الانتفاضة الأولى. وهم يستهلمون أيضًا من تاريخ المقاومة الشعبية في فلسطين، بما فيه إضراب 1936 والانتفاضات الشعبية اللاحقة في الضفة والقطاع ومناطق 1948.

خلُص المجتمع المدني والناشطون السياسيون في قطاع غزة إلى أن قوة الشعب هي القوة الوحيدة التي يمكن التعويل عليها Share on X

إن هذا الوعي الجديد المنبثق في غزة ومنها يربط بين أشكال المقاومة الشعبية كافة، وعلى رأسها الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، على غرار مقاطعة نظام الأبارثهيد البائد. لقد طرحت مسيرات العودة بالفعل شعارات تتماشى مع أهداف حركة المقاطعة، وأوجدت إجماعًا فلسطينيًا غير مسبوق. لا غرابة إذن أن يكون هناك مشاركة دائمة من نشطاء حركة المقاطعة في المسيرة، حيث نظموا فعاليات توعوية بالشراكة مع منظمي المسيرة، بينوا فيها العلاقة المباشرة بين أشكال المقاومة الشعبية الريادية، ودور المجتمع المدني في قيادتها، بالنظر إلى الدروس المستمدة من التجارب والأساليب النضالية الأخرى المتبعة على مدى عقود من الزمن، ومن ضمنها الكفاح المسلح.

إن مسيرة العودة الكبرى قادرة على النهوض بوحدة وطنية حقيقية، بعد فشل كل المحاولات للجمع بين الفصيلين المتناحرين فتح وحماس منذ 2006، فكل القوى السياسية مشاركة في المسيرة ولها ممثلون في الهيئة الوطنية العليا بالإضافة إلى ممثلين للمجتمع المدني. إن وجود ممثلين لكل من حماس وفتح في هذه الهيئة القيادية يوضح بشكل لا لبس به أن القواعد الحزبية المرتبطة مباشرة بالجماهير هي فقط التي تستطيع القيام بما فشلت به القيادات الحزبية. ويُعزى فشل هذه القيادات إلى أن النظام السياسي الفلسطيني بشكله الحالي يعبر عن مصالح طبقية وفئوية محددة ارتبطت مصالحها بالانقسام والتنسيق الأمني مع الاحتلال.

من مظاهر الوعي الجديد الذي تمثله مسيرة العودة الكبرى أيضاً القطيعة التامة مع نهج أوسلو وملحقاته، بما فيها حل إقامة دويلة فلسطينية إلى جانب دولة يهودية تمارس العنصرية ضد رعاياها. والمسيرة قادرةٌ على إحياء مفهومي التحرير وتقرير المصير من خلال التعامل مع الحقائق الجديدة على الأرض التي فرضتها إسرائيل وأدت إلى استحالة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على 22% من أرض فلسطين التاريخية. وهكذا فإن الأوان قد حان لنضال جدي حاسم من أجل الحرية والمساواة والعدالة، فثلثا سكان القطاع هم لاجئون كفلت لهم الشرعية الدولية حق العودة والتعويض.

لم تتبن حركة المقاطعة موقفًا سياسيًا واضحا حتى اللحظة إزاء إقامة الدولة وما إذا ينبغي أن تكون دولة من دولتين أو جزءًا من دولة ديمقراطية واحدة. غير أن أهداف مسيرة العودة الكبرى تتعارض تمامًا وحل الدولتين لأنه يتناقض جذريًا مع المطلب الرئيسي للمسيرة، ألا وهو عودة اللاجئين وتعويضهم. وما مشاركة حيفا ورام الله وبيت لحم وأم الفحم إلا إشارة إلى الاتجاه الذي تأخذه المسيرة من بُعد فلسطيني، وبداية لانتقالها من قطاع غزة المحاصر إلى مناطق أخرى في أراضي 1967 و1948. وهذا بالضبط ما يقلق إسرائيل.

إن هذه المبادرةَ الشعبية لمحاولةٌ جماهيرية لإعادة توجيه الدفة نحو تحقيق الحقوق المشروعة من ناحية، وربط مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة (67 و48 وشتات) من ناحية أخرى، وتثبيت أن القطاع هو جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية الفلسطينية. الغزي لم يكن يوما فلسطينياً غير وطني كي تتم مطالبته بتحمل مسؤولية الانقسام الوطني الحاد، فقد ساهم منذ انطلاق الوطنية الفلسطينية المعاصرة بالدور الأبرز في تكوينها والدفاع عنها بشراسة. وهذا بالضبط ما أعادت المسيرة تأكيده.

أهداف مسيرة العودة تتناقض وحل الدولتين Share on X

توجهت القيادة الفلسطينية الآن بإحالة لمحكمة الجنايات الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني. ولا بد أن يذهب القادة الفلسطينيون إلى ما هو أبعد من ذلك، فيجب عليهم أن يتحللوا من قيود أوسلو وتوابعها من تنسيق أمني وتبعية اقتصادية، وأن يتبنوا صراحة نداء حركة المقاطعة. وعليهم الامتناع عن الدخول في أي “مفاوضات” إلا إذا كان على رأس الأجندة موضوع آلية تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194، وعليهم ربط مطالب مكونات الشعب الفلسطيني الأخرى بتلك المفاوضات، ولا سيما مطلب إنهاء سياسات الأبارثهيد التي تمارس ضد فلسطينيي 1948.

وفي المحصلة النهائية فإن النضال من أجل تحقيق الحرية والعودة وتقرير المصير لكل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات هو التجسيد العملي لوحدة وطنية شاملة على الأرض، وحدة لا تنحصر في فصيلين، أو في خطاب ما يسمى “بشطري الوطن“، بل في إعادة تشكيل الوعي الجمعي، أي الوعي الجديد، الذي تساهم كل من مسيرة العودة وحركة المقاطعة في صياغة محدداته.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية أو باللغة الأسبانية، اضغط/ي هنا أو هناتسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
حيدر عيد أستاذ مشارك لمادة الادب الخاص بفترة ما بعد الاستعمار وما بعد الحداثة في جامعة الأقصى. كتب على نطاق واسع في الصراع العربي الإسرائيلي...
(2018, يوليو 24)

أحدث المنشورات

في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2803 الذي يزكِّي الخطة ذات العشرين بندًا التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة. وقد فُرض التصويت بعد أسابيع من الضغوط الأمريكية، ليُقرَّ إنشاء هيئتين يُفترض أنهما انتقاليتان لتولي السيطرة على غزة: "مجلس السلام" المكلف بالإشراف على توزيع المساعدات، وإعادة الإعمار، والإدارة اليومية، و"قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة"، المكلفة بتولي الشؤون الأمنية ونزع سلاح حركة حماس. ومن اللافت أن القرار لا يشير إلى الإبادة الجماعية التي فتكت بغزة خلال العامين الماضيين، ولا يتطرق إلى المساءلة عنها. توضح هذه المذكرة السياساتية كيف يعيد القرار تغليف السيطرة الاستعمارية على الشعب الفلسطيني في غزة، ويُكافئ الولايات المتحدة -وهي شريكة في الإبادة الجماعية- بالسيطرة على غزة وعلى عملية إعادة الإعمار التي قد تدرّ أرباحًا كبيرة، بينما يُعفي في الوقت نفسه النظام الإسرائيلي من جميع مسؤولياته كقوة احتلال غير قانونية. وبذلك، يُقوِّض مجلس الأمن مرة أخرى مبادئ الأمم المتحدة القانونية تحت ضغط الولايات المتحدة، بدلًا من أن يدفع في اتجاه العدالة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 20 نوفمبر 2025
 اللاجئين
أعاد المسؤولون اللبنانيون طرح مسألة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، باعتبارها جزءًا من الجهود المبذولة للحدِّ من "الأسلحة غير الشرعية" وتعزيز سيادة الدولة. غير أن هذا الطرح يُنظر إليه، من قِبَل كثير من الفلسطينيين والمراقبين الإقليميين، باعتباره تمهيدًا لمرحلة جديدة من الضغوط السياسية والأمنية على اللاجئين ضمن رؤية أوسع لإعادة تشكيل البنية الأمنية الإقليمية. كما أنه يثير ذكريات جماعية مؤلمة عن حملات نزع السلاح السابقة التي تركت المخيمات عرضة للمجازر والدمار.
 الاقتصاد
تقدّم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى نفسها على أنها صانعةُ عالمٍ أفضل، مدفوعٍ بالذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والحلول المبتكرة المدعومة بالبيانات. وتحت شعاراتٍ، مثل: "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" (AI for Good)، تَعِدُ بابتكارٍ أخلاقي مسؤولٍ يخدم الإنسانية. إلا أنّ هذه السرديات قد انهارت في غزة، إلى جانب المعايير الدولية وما تبقّى مما يُعرف بالنظام الدولي المحكوم بالقواعد. لقد سلّطت الحرب الإبادية التي شنّتها إسرائيل على غزة الضوء على الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في تمكين العمليات العسكرية ودعم الاحتلال. فخلف هذا الدمار تكمن البُنى التحتية الرقمية، من خوادمٍ وشبكاتٍ عصبيةٍ اصطناعيةٍ والبرمجيات التي طوّرتها بعض من أكثر الشركات التقنية ريادةً عالميًّا. ومع تسليح إسرائيل الذكاءَ الاصطناعي وتكنولوجيا تحليل البيانات لقتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم، يشهد العالم عسكرة للتقنيات والبنى التحتية الرقمية بشكل يعيد تعريف المساءلة القانونية ويكشف عن فراغٍ خطِر في الحوكمة العالمية. يستعرض هذا الموجز السياساتي كيف امتدّ تواطؤ الشركات ليشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، ويدعو إلى تنظيمٍ عاجلٍ لعسكرة الذكاء الاصطناعي.
Al-Shabaka Marwa Fatafta
مروة فطافطة· 26 أكتوبر 2025