Hawari_policymemo_Jan2019

يهيمن محمود عباس منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية في 2005 على المشهد السياسي الفلسطيني بإحكام قبضته على المؤسسات المختلفة والتضييق على الأحزاب والشخصيات المعارضة. وبالإضافة إلى الانقسام بين حركتي حماس وفتح، والذي يقف حجر عثرة في طريق السياسة الفلسطينية الداخلية، لم يترك هذا سوى مساحة ضئيلة للديمقراطية والمشاركة السياسية الشعبية، ولا أدلَّ على ذلك من أن عباس قد دخل عقده الثاني في الحكم بعد انتهاء تفويضه كرئيس منتَخب للسلطة الفلسطينية.1
في كانون الأول/ديسمبر 2018، أعلن عباس في اجتماعٍ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية قرارًا جديدًا صادرًا من المحكمة الدستورية العليا يدعو إلى حل المجلس التشريعي الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية وعقد انتخابات في غضون ستة أشهر. وفي اليوم التالي، أعلنت حماس رفضها القرار على أساس أنه غير دستوري وأن عباس والمحكمة الدستورية العليا لا يملكان صلاحية حل المجلس التشريعي الفلسطيني. ودعت الحركة، في المقابل، إلى عقد انتخابات عامة لمنصب الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني والمجلس الوطني الفلسطيني – وهو الهيئة التشريعية في منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي هذا الشهر، أعلن عباس بأن الانتخابات التشريعية لن تنعقد إلا إذا شملت القدس الشرقية. غير أن موقف النظام الإسرائيلي القائم واضح بأنه لن يسمح أبدًا بأي نشاط سياسي فلسطيني في القدس، لأنه يرى ذلك تهديدًا لمطالبات إسرائيل بالسيادة على المدينة بأسرها. وفي هذا الصدد، قال صائب عريقات، كبير المفاوضين وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن حلَّ المجلس التشريعي الفلسطيني جزءٌ من انهاء مرحلة السلطة والانتقال الى مرحلة الدولة، حتى إنه دعا إلى عقد انتخابات عامة لمجلس تأسيسي لدولة فلسطين. ولكن هذا مستبعدٌ في سياق التشرذم السياسي الحالي.

فإذا علمنا كل ذلك وعلمنا أن حماس ما كانت لتسكت على هذا القرار، لِمَ يُقدِمُ عباس وحلفاؤه على حل المجلس التشريعي الفلسطيني؟ لا بد من الإشارة إلى أن حماس تسيطر على المجلس التشريعي الفلسطيني منذ انتخابات 2006، حيث تستأثر بـ 76 مقعدًا من أصل 132، بينما تستأثر فتح بـ 43 مقعدًا فقط. غير أن المجلس التشريعي ظل متعطلًا عن العمل منذ وقوع الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا أدى إلى جمود العملية التشريعية في السلطة الفلسطينية. وأخذ عباس يدير شؤون الحكم بالمراسيم الرئاسية على نحو متزايد في ظل غياب الجسم التشريعي الفعال. إن حل المجلس التشريعي سوف يسمح لعباس بترسيخ سلطته بنقل معظم عملية صنع القرار إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي لا وجود لحماس فيه. وهكذا يستطيع عباس زيادة الضغط السياسي على حماس.

يستطيع عباس بحله المجلسَ التشريعي الفلسطيني أن يلوم حماس وإسرائيل على غياب الديمقراطية Share on X

يتضمن القانون الأساسي (الدستور الفعلي) بندًا ينص بأنه في حال تعذر على الرئيس القيام بواجباته (في حال وفاته مثلًا)، فيشغل منصبه رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني لمدة 60 يومًا قبل عقد انتخابات عامة. والرئيس الحالي للمجلس التشريعي هو عزيز الدويك، العضو في حركة حماس.

ومن المرجح أيضًا أن عباس أراد تخفيف الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي عليه لدفعه إلى دمقرطة مؤسسات السلطة الفلسطينية وعملياتها السياسية. فبهذه الخطوة يستطيع عباس أن يلوم حماس على غياب الديمقراطية (والوحدة) لأن حماس ترفض شرعيةَ حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وأن يلومَ إسرائيل لأنها لا تسمح بعقد الانتخابات في القدس الشرقية.

وفي الأثناء، يستمر الفلسطينيون، ولا سيما الشباب، في فقدان ثقتهم في النظام السياسي، حيث تواجه السلطة الفلسطينية انتقادات متزايدة لفسادها، وقمعها المعارضة، وعجزها عن الوقوف في وجه إسرائيل التي تواصل تشديد احتلالها العسكري في الضفة الغربية وغزة وتفرض تدابير عقابية جماعية على الفلسطينيين كافة. وفي ظرف كهذا لا يمكن للنظام السياسي الفلسطيني أن يزدهر، حيث كثيرًا ما تعتقل إسرائيل الشخصيات السياسية الفلسطينية، وبعضهم لفترات طويلة، مثل مروان البرغوثي وخالدة جرار. فضلًا على أن السياسات الإسرائيلية مصممةٌ لإضعاف حركة التحرير الفلسطينية وبث الفرقة بين صفوفها. ويمكن القول إجمالًا إن إسرائيل أوجدت حالةً في الضفة الغربية وقطاع غزة تتفوق فيها متطلبات العيش الأساسية عند معظم الفلسطينيين على المشاركة والتنظيم السياسي من حيث الأولوية والأهمية.

زيادة الحيز الديمقراطي

  • إن من الواضح أن السلطة الفلسطينية لن تحقق التحرر الفلسطيني ولن تقدر على تأمين أي شكلٍ من أشكال السيادة الفلسطينية. لذا، لا بد للقيادات الساعية لبث الديمقراطية في السياسة الفلسطينية أن يولوا الأولوية لإحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها. ولا بد من أن ينصب التركيز على تطبيق اللامركزية في السلطة والحكم داخل منظمة التحرير، لأن اللامركزية ستخفف قبضة السلطة الفلسطينية على مشروع المنظمة التحريري بعمومه. وفي سياق هذه العملية، لا بد من استحداث آليات موثوقة وذات مصداقية تكفل المساءلة الأفقية والرأسية.
  • تمارس النخب السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة النفوذ داخل الأجهزة الأمنية، ولا بد من تصويب هذا الخلط بين السياسي والأمني لأنه يُسفر عن زيادة في السلطوية والاستبداد والتدابير الأمنية ضد النشاط السياسي الذي يتحدى الوضع الراهن.
  • ينبغي للمجتمع المدني الفلسطيني والناشطين على امتداد فلسطين التاريخية وفي الشتات أن يدعوا إلى قيادة ممثِّلة ومساءلة ومنتخبة ديمقراطيًا. ولا بد أن يتخذ هذا النداء صفةً جماعية وأن يقترن بتدابير لحماية المعرَّضين لقمع الأجهزة الأمنية ومضايقاتها على خلفية هذا النداء.
  • ينبغي للمجتمع الدولي أن يكثف جهوده في الضغط على إسرائيل لحملها على احترام حقوق الفلسطينيين. وهذا يشمل السماح بإجراء العمليات الديمقراطية الفلسطينية في القدس الشرقية بما يتفق والقانون الدولي.
  • يجب على المجتمع الدولي أن يتوقف عن تشجيع الهيمنة التي يمارسها حزبٌ أو فصيل سياسي واحد، حيث إنه يتبع سياسة عدم الاتصال بحماس وجهات أخرى فاعلة، ويصف غالبية الأحزاب السياسية الفلسطينية بأنها “منظمات إرهابية”. ويجب عليه أن يُبدي استعداده لقبول قيادة فلسطينية موحدة تضم الأحزاب والفصائل كافة.
  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
يارا هواري هي مديرة الشبكة بالمشاركة. عملت سابقًا كزميلة سياساتية للشبكة في فلسطين وكمحللة رئيسية في الشبكة. نالت درجة الدكتوراه في سياسة الشرق الأوسط من...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، صوَّت الناخبون الأمريكيون لدونالد ترامب رئيسًا لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الستين. وفي حين لا تزال العديد من أوجه خطط السياسة الخارجية للإدارة القادمة غير مؤكدة، فإن تبعاتها الكارثية على الشعب الفلسطيني ستستمر بلا شك. وفي هذه الحلقة النقاشية، يُقدِّم محللو الشبكة طارق كيني الشوا وعبد الله العريان وأندرو كادي وهناء الشيخ رؤيتهم إزاء ترامب مقارنةً بسلفه، وتأثير رئاسته على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، وما تعنيه لفعاليات التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة، وتأثيرها المادي على الأرض في فلسطين.
 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
Skip to content