ملخص تنفيذي
إحياء قوة فلسطينية: الشتات والسلك الدبلوماسي
يواجه الشعبُ الفلسطيني وممثلُه الوطني، منظمة التحرير الفلسطينية، تحدياتٍ خطيرةً ليسوا مهيئين لها. فقد اضمحلت تلك الحركة الوطنية القوية التي أسستها منظمة التحرير في ستينات القرن الماضي، والتي جمعت اللاجئين والمنفيين المشتتين على مواجهة المشروع الاستعماري الإسرائيلي واستعادة وطنهم. ويُعزى السببُ الأكبر في ذلك إلى اتساع دور السلطة الوطنية الفلسطينية التي تأسست بموجب اتفاقات أوسلو كنواةٍ لدولةِ فلسطين المستقبلية، والتي غدت هي نفسها الآن جوفاء بسبب دأب إسرائيل على بناء المستوطنات وانتهاك الحقوق الفلسطينية الأخرى، وأَمسَت الدولةُ المستقلة ذات السيادة بعيدةَ المنال أكثر من أي وقت مضى.
إن الهيئات الفلسطينية الواهنة والمثخنة ليست مهيئةً لمواجهة تهديدات التي يفرضها الاستعمار الإسرائيلي والضم المتواصل بدعمٍ مفتوح واعتراف موعود من إدارة ترامب المنتهية ولايتها، ولا التهديدات النابعة من القانون الأساسي للدولة اليهودية الذي يضع الفلسطينيين في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة في وضع قانوني متداعٍ. وفي الوقت نفسه، تتسارعُ نجاحات الحكومة الإسرائيلية في تحييد الدول العربية والأوروبية والآسيوية والأفريقية والأمريكية اللاتينية المهمة، ما أدى إلى تقويض التوافق الدولي على قرارٍ عادل يضمن الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف. وتلقَّت القضيةُ ضربةً كبرى في أواخر صيف 2020 حين قررت الإمارات العربية المتحدة والبحرين تطبيعَ العلاقات مع إسرائيل.
إن فشل منظمة التحرير الفلسطينية في تصوِّر إمكانية انقلاب السياسة الأمريكية، وفي إدراك مدى هشاشة النهج الدبلوماسي يدلُّ على فشلها في رؤية التحرير الوطني كنضالٍ شعبي. وتتزامن هذه النكسات الجسيمة مع تفشي جائحة كوفيد -19 وتهديداتها المادية للفلسطينيين المستضعفين أصلًا في غزة والقدس الشرقية ولبنان وسوريا. وقد انبثقت العديد من المبادرات لمواجهة هذه التحديات، وكان آخرها تعهُّد حركتي فتح وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى وتجديد التزامها في أيلول/سبتمبر 2020 بإنهاء الانقسامات بينهم. وهناك أيضًا العديدُ من الدراسات التي تهدف إلى تحديد طريق المضي قدمًا (بما فيها تقريرٌ صدرَ مؤخرًا أعدَّه 12 زميلًا من زملائنا في الشبكة بعنوان استعادة منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة إشراك الشباب).
تُعدُّ هذه الدراسةُ الأولى من نوعها حول السلك الدبلوماسي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ومدى مشاركته وانخراطه مع الشتات الفلسطيني. وتفترض أن العمل التشاركي الأكثر نشاطًا وانتظامًا بين الشتات والبعثات الدبلوماسية لمنظمة التحرير من شأنه أن يقوّي المنظمة ويعزز صفتها التمثيلية ويساعد في إحياء شيء من قوة الشتات وإمكاناته التي تجلت في عقدي السبعينات والثمانينات. وقد انبثقت فكرةُ هذه الدراسة من حديث إحدى عضوات الفريق إلى دبلوماسي شاب شرحَ لها كيف تمكنوا في السلك من إنجاز عملٍ مهم لحماية الحقوق الفلسطينية رغم الصعوبات الداخلية وعدم وضوح أهداف المشروع الوطني واستراتيجياته. وقد أثار هذا اهتمامنا بنشاط السلك الدبلوماسي، ولا سيما علاقته بالشتات الفلسطيني، الذي كان ذات يوم يعملُ على نحو وثيق مع ممثلي منظمة التحرير وأصبحَ اليومَ يزدادُ نفورًا منه واغترابًا عنه. وبحسب دبلوماسي سابق: "لم يعد يُنظر إلى الشتات على أنه أولوية بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ وكنتيجة لذلك فقدنا ما كان يُعدُّ قوةً كبرى."
اغتراب الشتات
تستعرض الدراسةُ نشأةَ منظمةِ التحرير الفلسطينية في الشتات في أوساط المنفيين واللاجئين في عقد الستينات، وكيف أقامت علاقاتٍ مع الشعب الفلسطيني، ورسّخت الهوية الوطنية الفلسطينية على الساحة العالمية، وحققت تقدمًا على صعيد الاعتراف الدولي بحقوق الفلسطينيين. فقد أولت المنظمةُ الأولويةَ لإنشاء مكاتب تمثيلية في العواصم الأجنبية كوسيلةٍ لتشييد البنية التحتية اللازمة لحشد المناصرة العالمية لدعم تقرير المصير والسيادة الفلسطينية. وكان فلسطينيو الشتات، ولا يزال بعضهم، مكونًا حيويًا في تلك البنية التحتية داخل البلدان التي احتضنتهم.
غيَّرت عمليةُ أوسلو للسلام التي انطلقت سنة 1993 صيغةَ العمل المشترك بين منظمة التحرير الفلسطينية وفلسطينيي الشتات، حيث سحبت العديدُ من القواعد الشعبية في الشتات دعمَها النشط لمنظمة التحرير بسبب معارضتها توقيعَ الاتفاق المؤقت الذي شرعن الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة وقوَّض حقوق اللاجئين ومطالباتهم. وكان ذلك سببٌ في أن الأجيالَ التي تلت أوسلو لم تعِ تاريخَ منظمة التحرير والدورَ الحيوي الذي لعبته في النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير. وغالبيتهم لا تميز بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية، التي لا تمثل سوى فلسطينيي الأرض المحتلة.
يجهل شبابٌ كثيرون في الوطن والمنفى الدورَ الذي لعبته منظمة التحرير في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، ومدى فاعليتها في تغيير نظرة العالم إلى القضية الفلسطينية من قضية إنسانية بحتة إلى نضالٍ مشروعٍ من أجل التحرر الوطني. وثمة قصورٌ في الوعي بما بذله ممثلو منظمة التحرير في سبيل استدامة الإجماع الدولي حول حقوق الفلسطينيين، إذ ضحى الكثيرون من هؤلاء بحياتهم لأجل ذلك في عقدي السبعينات والثمانينات، وبأن هذه المعايير تشكل الأساسَ للجهود القانونية المبذولة لإنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب، وتحمُّل المسؤولية عن وقوع الضحايا الفلسطينيين، ووقف التشريد والتجريد المستمرين فيما تبقى من الوطن الفلسطيني، ولا سيما أن جماعات الضغط والمنظمات الموالية لإسرائيل تُنفقُ ملايين الدولارات سعيًا لنزع الشرعية عن مثل هذه المبادرات الدبلوماسية والقانونية الفلسطينية، ما يؤكد أهميةَ عمل منظمة التحرير في هذه المجالات. ولولا منظمة التحرير، لما كانت هناك جهةٌ وطنية معترفٌ بها تمثل الفلسطينيين في المحافل الدولية المهمة.
تأثرت الصفةُ التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية سلبًا بسبب التشتتِ المكاني والسياسي في الجسم السياسي الفلسطيني، والخصومةِ بين القطبين السياسيين فتح وحماس، والتي تنعكس أيضًا في العلاقةِ بين السلك الدبلوماسي التابع لمنظمة التحرير والشتات، حيث إنّ جزءًا كبيرًا منهم ينتمي إلى الحركة الإسلامية أو يتعاطف معها في حين أنها ليست جزءًا في المنظمة. فضلًا على أن تركيز المؤسسات الوطنية الفلسطينية الأوحد على ترسيخ مظاهر الدولة قبل تأمين الحقوق الفلسطينية يضرُّ بالدور السابق للسلك الدبلوماسي في تمثيل حركة التحرير في الخارج، ويصرفُ انتباهه عن حشد التضامن والدعم الدوليين للحقوق الفلسطينية. فقد نُقلت مسؤوليات الدائرة السياسية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية كلها تقريبًا - المكوِّن الأساسي المسؤول عن تنفيذ البرنامج السياسي للمنظمة واستراتيجيتها التحررية - إلى وزارة الشؤون الخارجية في السلطة الوطنية الفلسطينية مع أن تفويض السلطة لم يتضمن تولي الشؤون الخارجية. وكانت تلك رسالةً قوية إلى اللاجئين والمنفيين بأن صوتهم وما حلَّ بهم من تهجير وتشريد وحرمان لم يعد الأولوية المركزية للمنظمة.
سوف يناقش متن التقرير كيف باتت مسؤولية منظمة التحرير عن السلك الدبلوماسي معلقةً بخيط رفيع قد ينقطع على نحو يتعذر وصله إذا ما عادَ رئيس اللجنة التنفيذية التابعة للمنظمة يتولى أيضًا منصبَ رئاسة السلطة الوطنية. فبالرغم من أن جميع السفارات والبعثات الفلسطينية تُعدُّ مكاتبَ تابعةً لمنظمة التحرير، إلا أن معظم مسؤوليات البعثات تخضع لإدارة وزارة الخارجية. ومع ذلك، لا تزال منظمة التحرير تتولى بحكم شخصيتها القانونية الدولية المسؤوليةَ الجوهرية المتمثلة في توقيع المعاهدات والاتفاقات الثنائية، بما فيها أي اتفاق سلام شامل مع إسرائيل. وفي حال توقفَ التداخل بين منصبي رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الوطنية، وأخفقت منظمة التحرير في تأكيد سلطتها على العلاقات الدولية والسلك الدبلوماسي، فإن القضية الوطنية الفلسطينية قد تُختَزل في صراعٍ على ما تبقى من أرض الوطن الفلسطيني داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما ينفصل الشتات - ومصالحه ومطالباته - انفصالًا تامًا عن حركة التحرر الوطني.
الاستماع إلى السلك الدبلوماسي
عَلمنا من المقابلات التي أجريناها مع الدبلوماسيين أن التداخل والتشابك في المسؤوليات والصلاحياتها بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية يؤثر في قدرة السلك الدبلوماسي من نواحٍ عدة، منها قدرته على الانخراط مع الشتات. ومن الشواغل الرئيسية الأخرى التي لمسناها مرارًا وتكرارًا غيابُ الاتجاه السياسي وغياب الاستراتيجية التي يحتاجها الدبلوماسيون لتأطير عملهم. وأشار المقابَلون كذلك إلى مشكلات أخرى تُعزى بعض أسبابها إلى غياب الشفافية في اختيار موظفي البعثات، وعدم الكفاءة والنزاعات الداخلية في بعض البعثات المهمة للقضية الفلسطينية بعدما سَجَّلت في السابق درجةً عالية من الفاعلية. إن حركةَ التحرر الوطني لا تقوى على تحمّل هذه التحديات غير الجديدة على منظمة التحرير، والتي تواجهها أيضًا المكاتب الدبلوماسية للدول ذات السيادة. ومن ناحيةٍ أخرى، كشفت الدراسة أن بعثات منظمة التحرير التي يقودها دبلوماسيون متمرسون ويديرها موظفون فاعلون كانت قادرةً على النهوض بالمصالح الفلسطينية داخل الدولة التي يعملون فيها أو الهيئة الدولية المكلَّفين فيها.
ثمة تحدٍ آخر تواجهه بعض البعثات فيما يتعلق بدور السلك الدبلوماسي ومسؤولياته وكذلك التسلسل القيادي، حيث لم تكن تلك محددةٌ بوضوح أو لم تكن مفهومة لدى الموظفين. فكان بعضُ الدبلوماسيين، مثلًا، يعدُّون أنفسهم تابعين للسلطة الوطنية، بينما أكد آخرون على انتمائهم إلى منظمة التحرير. وقد تسبّبَ هذا الاختلاف الإدراكي بنوعٍ من الانقسام بين مَن رأى نفسه ثائرًا وناشطًا وبين مَن رأى أنه موظف خدمة مدنية لا أكثر.
تتأثرُ قدرةُ السلك الدبلوماسي على العمل بفاعلية بسبب الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وبسبب سجل السلطة الوطنية في انتهاك حقوق الإنسان وتنسيقها الأمني مع إسرائيل وافتقارها إلى تفويض ديمقراطي، حيث تُسهِمُ تلك العوامل مجتمعةً في نفور الفلسطينيين ومجتمع التضامن من تلك البعثات. إن خسارة البعثات لهذا الدعم يُصعِّبُ على السلك الدبلوماسي طرحَ رسالةٍ قوية وموحدة بالتوافق مع الشتات، ويكلِّف حركة التحرر الوطني ثمنًا باهظًا. فلا ريب أن البعثة الدبلوماسية الفلسطينية حين تعمل بفاعلية وتحظى بالموارد المناسبة وترتبط بعلاقة وثيقة مع مجتمع الشتات وحركة التضامن، تكون أقدر، مثلًا، على الرد على حملة إسرائيل الهادفة إلى الخلط بين الانتقادات الموجهة لاحتلالها وحصارها وانتهاكاتها الأخرى وبين معاداة السامية. ولا شك أن العجز عن حشد قوةِ مجتمعات الشتات ونفوذها في البلدان التي تستأثر داخلها بوزنٍ سياسي سيدفع حكومات تلك البلدان إلى عدم الاكتراث للدبلوماسيين الفلسطينيين حرصًا على إظهار موالاتها لإسرائيل. فعندما لا يُثمِّنُ الشتات ومجتمع التضامن عملَ بعثات منظمة التحرير، يَسهُلُ على الحكومة المضيفة أن تنأى عن الانخراط مع الدبلوماسيين الفلسطينيين.
الاستماع إلى الشتات
ركَّزت الدراسةُ على ثلاثة أحداثٍ محددة لاكتساب فهم أفضل لانخراط الشتات مع السلك الدبلوماسي في إطار القضايا ذات الاهتمام الوطني. ومن الأحداثِ الثلاثة المنتقاة، أبرزَ حدثان رؤيتين متناقضتين: كان مسعى إقامة الدولة الفلسطينية مثالًا للانخراط الإيجابي بين الشتات والسلك الدبلوماسي، بينما شكَّلت انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني مثالًا للانخراط السلبي. أمّا الحدث الثالث، قرارُ إدارة ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فيُظهر ضعف منظمة التحرير بالنظر إلى المحدودية الظاهرة في الانخراط مع الشتات.
كانت النظرة عمومًا إلى جهود منظمة التحرير/السلطة الوطنية في رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة من دولة مراقب إلى دولة غير عضو على أنها جهودٌ منظمةٌ واضحةُ الأهداف والتوجه والرسائل القيادية. فلم ينحصر عمل السلك الدبلوماسي كنظامٍ فعالٍ وكفؤ في بلد الابتعاث وإنما اتسم بذلك في جميع البلدان والأقاليم، وزادت التغطية الإعلامية. وعلاوة على ذلك، قال أعضاءُ في السلك إنهم نظروا إلى كل جهدٍ مبذول لإضفاء الطابع الرسمي على الاعتراف بفلسطين كمصدر قوة للشعب الفلسطيني في إطار بحثه عن وسائل للرد على الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل وحركتها الاستيطانية والأنظمة التي كانت تُعرِض عن القانون الدولي.
أما بالنسبة إلى الشتات، فإن بعض الناشطين الذين نأوا بأنفسهم سابقًا عن منظمة التحرير/السلطة الوطنية انخرطوا عن طيب خاطر في العمل مع ممثلي السلك لدفع مسعى إقامة الدولة قدمًا، ولا سيما لأنه أعاد تأكيد القدرة الفلسطينية على الفعل وتحدي الهيمنة الأمريكية على جدول الأعمال. وذاك دليلٌ على إمكانية التعبئة والعمل المشترك بين بعثات منظمة التحرير والشتات. لكن في حالات أخرى، لم تنخرط البعثات مع الشتات بشأن هذه القضية مع أن الشتات كانوا حريصين على ذلك.
كان للجهود المبذولة لاختيار ممثلين لعقد المجلس الوطني الفلسطيني في العام 2018 أثرٌ سلبيٌ على الشتات. فمع أنه كان يُفترض بالمنظمات المجتمعية الفلسطينية نفسها أن ترشِّح أعضاء باختيارها، تبيَّن من المقابلات أن البعثات كانت مشاركةً عن كثب في عملية الاختيار. وفي إحدى الدول حيث أولى مجتمعُ الشتات أهميةً قصوى لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، قيل إن البعثة اتخذت خطواتٍ أحاديةَ الجانب، وجاء ترشيح الممثلين في نهاية المطاف بإملاء من "رام الله". وفي بلد آخر، قيل إن العملية كانت "مرتَجلةً تمامًا" ومفتقرةً إلى الشفافية. وفي بلد ثالث، قيل إن العملية تمخضت عن مجلس وطني فلسطيني "لا يمثل الشعب الفلسطيني على الإطلاق." وهكذا يبدو، بصفة عامة، أن تجربة الشتات في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني 2018 قد عززت نفوره من منظمة التحرير واغترابه عنها.
وفيما يختص بقرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يبدو أن منظمة التحرير والسلطة الوطنية قد فوتتا فرصةً سانحة للانخراط مع الشتات وحركة التضامن لإعلاء أصوات الفلسطينيين وزيادة الضغط من أجل الحقوق الفلسطينية.
وإلى جانب مجالات التركيز الثلاثة المحددة هذه، تَعرَّف فريق البحث إلى مجالاتٍ أخرى مهمةٍ تتصل بانخراط الشتات مع منظمة التحرير.
- يعارض فلسطينيون كثيرون في الشتات - وفي الوطن - سياسات منظمة التحرير/السلطة الوطنية مثل التنسيق الأمني مع إسرائيل معارضةً شديدة. فهي تؤدي إلى مشاكل عديدة كإرسال رسائل متناقضة إلى الدولة المضيفة وناشطي التضامن بشأن حقوق الفلسطينيين.
- بعض البعثات أقل فاعليةً في النهوض بالقضية الفلسطينية بسبب الثقافة البيروقراطية التي تُسفر عن ضعف الانخراط مع البلد المضيف، بل وأقل مع الشتات، إضافةً إلى قلة التواصل مع وسائل الإعلام أو المؤثرين في الدولة. ونتيجةً لذلك، تُرك المجال مفتوحًا أمام اللوبي الإسرائيلي ليسيطر على الخطاب والسياسات بشأن الحقوق الفلسطينية.
- كانت هناك نزعةٌ، في حالات أخرى، إلى تركيز الجهود على الحكومات بدلاً من الشتات وحركة التضامن التي كانت قادرةً، وأحيانًا أقدر، على تغيير الخطاب وكانت المصدر الحقيقي للسلطة داخل الدولة.
- في بعض البلدان التي توجد فيها جاليةٌ نشطة من الفلسطينيين الشتات، لم يتضح مدى دراية المجتمع الفلسطيني الأوسع بعمل البعثة ومسؤولياتها أو كيفية محاسبتها بصفتها ممثلتهم.
يكمن أحد أوجه القصور الرئيسية في علاقة السلك الدبلوماسي بالشتات في محدودية الانخراط أو التواصل - أو انعدامه في معظم الحالات - مع المجموعات والأفراد المرتبطين بحركة حماس والمنظمات الإسلامية الأخرى ارتباطًا فعليًا أو متصوَّرًا. ويُعزى السبب الأكبر في ذلك إلى الانقسام بين فتح وحماس، حيث تولي منظمة التحرير التي تسيطر عليها فتح الأولويةَ لعملها وعلاقاتها على مستوى البعثة، ولكن قد يُعزى ذلك أيضًا إلى القيود القانونية المتعلقة بحماس داخل البلد المضيف.
على الرغم من هذه الانتقادات، لم يشكك أحد تقريبًا أثناء المقابلات في شرعية منظمة التحرير كمنظمة وطنية ممثلة للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من رفض التنسيق الأمني والسلطوية والسياسات الإشكالية الأخرى للسلطة الوطنية، أظهرت مجتمعات الشتات تقبلًا للعمل مع البعثات الدبلوماسية حينما كانت الأهدافُ محددةً بوضوح وكان بين السلك والشتات تواصلٌ جيد. ويمكن البناء على هذا لإصلاح منظمة التحرير وتمكينها من الاضطلاع بدورها كهيئة تمثيلية.
توصيات لفلسطيني الشتات
- ينبغي أن ينخرط فلسطينو الشتات في علاقة منتظمة مع بعثات منظمة التحرير الفلسطينية، وينقلوا إليها آراءهم وتوقعاتهم، ورفضهم السياسات التي تقوِّض الحقوق الفلسطينية. وإلى حين اتخاذ إجراءات لإصلاح هياكل منظمة التحرير والسلطة الوطنية، يظل الانخراط المباشر مع البعثات الوسيلةَ الوحيدة لممثل الحركة الوطنية ليستمعَ إلى الشتات ويقف محاسبًا أمامهم.
- يمكن لفلسطيني الشتات من خلال زيادة الانخراط المباشر أن يساعدوا ممثلي منظمة التحرير في مواجهة التحديات المختلفة. فيمكنهم، مثلًا، أن يضطلعوا بدورٍ بناءٍ في عقد المنتديات لمناقشة المشروع الوطني الفلسطيني، والمساعدة في رأب الصدع بين فتح وحماس، والمطالبة بإنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل والاستبداد في فلسطين، والمساعدة في التصدي لحملة إسرائيل الهادفة إلى الخلط بين الانتقادات الموجهة لأفعالها وبين معاداة السامية.
- ينبغي لممثلي الشتات أن يطالبوا اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير بتعيين أمين مظالم - ومنحه الصلاحيات اللازمة - لمعالجة شكاوى الشتات وشواغلهم إزاء عمل البعثات حيثما يتعذر معالجة تلك الشكاوى على مستوى البعثة.
- ينبغي للشتات أن يعطوا الأولوية للتثقيف، ولا سيما تثقيف الشباب والقادة الناشئين، بتاريخ منظمة التحرير وإنجازاتها والتضحيات التي قدمها العديد من أعضائها، بمن فيهم أعضاء السلك الدبلوماسي، وكذلك التحديات الخارجية التي تواجهها المنظمة.
توصيات لمنظمة التحرير الفلسطينية
-
- يجب على منظمة التحرير أن تقود مبادرةً لإعادة النظر في المشروع الوطني. فهناك حاجةٌ إلى رؤية متجددة، مدعومة بالتخطيط والانخراط الجادين، لتأمين الحقوق الفلسطينية والإسهام في مواجهة التحديات التي تعترض الفلسطينيين وحركتهم، مثل حملة التطبيع الإسرائيلية والتداعيات الصحية والاقتصادية الناجمة عن كوفيد-19.
- يجب على المجلس المركزي أن يراجع غايات السلطة الوطنية الفلسطينية ووظائفها، بما في ذلك علاقتها بالدائرة السياسية لمنظمة التحرير التي ينبغي أن تؤكدَ سلطتها على السلك الدبلوماسي. وينبغي للمجلس أيضًا أن يعيد النظر في تقسيم المسؤوليات بين دوائر منظمة التحرير المختلفة للحد من تداخلها، وأن يراعي في مراجعته تلك تقييم تأثيرات تقديمِ إقامة الدولة على النضال الفلسطيني من أجل التحرير وعمل بعثات منظمة التحرير حول العالم.
- ينبغي لمنظمة التحرير أن تُعيد بناء قدرات دائرة التنظيم الشعبي التابعة لها والتي كانت ذات يوم تُسهم في ربط الشتات بأعمال المنظمة. وينبغي للدائرة أن تستحدثَ استراتيجيات للانخراط والعمل مع الشتات على نحو أفضل بما يتماشى والأهداف والاستراتيجيات الوطنية المجدَّدة.
- ينبغي للجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير أن تستحدث منصبَ أمين المظالم وتمنحه الصلاحيات اللازمة لتمكين الشتات من الإبلاغ عن المسائل المتعلقة بعمل البعثات.
- إلى أن يُعاد تفعيل الدائرة السياسية حتى تتولى دورها في إدارة السلك الدبلوماسي إدارةً مباشرة، يجب أن تكون وزارة الخارجية حريصةً على تعيين أكثر الأشخاص كفاءةً وتأهيلًا في المستويات كافة بموجب عملية شفافة.
- ينبغي لمنظمة التحرير أن تضاعفَ جهودها في دعم الحوار الوطني الذي يسمح لجميع الفصائل السياسية والقواعد الشعبية، ومن ضمنها الشتات، بتطوير عملية لاختيار مجلس وطني مُمثل على أساس معايير شفافة ومتفق عليها، وتعزيز بناء التوافق على مشروع وطني مُجدَّد.