يبذل مشرِّعون وجماعات مصالح في جميع أنحاء الولايات المتحدة جهودًا مكثفة لحماية إسرائيل من المساءلة عن جرائم الحرب والاحتلال والفصل العنصري على حساب حقوق دعاة التضامن مع فلسطين في حرية التعبير والمقاطعة السياسية بموجب التعديل الدستوري الأول. ولهذه الجهود عواقب وتداعيات واسعة النطاق، حيث إن قوانين مناهضة المقاطعة لا تحد وحسب من المساحات المتاحة للتضامن مع فلسطين، بل تمثل الخطوة الأولى في حملة أوسع للنيل من الضمانات الدستورية المصممة لحماية حقوق المواطنين الأمريكيين في الدفاع عن العدالة. ولذلك، لا بد للمواطنين الأمريكيين أن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم للدفاع عن حقوقهم الدستورية. توصي هذه الورقة السياساتية بخطوات عديدة ينبغي اتخاذها في سبيل ذلك.
صدرت في 34 ولاية، لغاية تشرين الأول/أكتوبر 2022، مشاريعُ قوانين وقراراتٌ تنفيذية مصممة لمعاقبة المشاركين في حملات مقاطعة إسرائيل، وباتت سارية على ما يزيد على 250 مليون مواطن أمريكي. وفي عام 2018، رفعت صحيفة ذي آركنسا تايمز، وهي صحيفة محلية مقرها في ليتل روك، دعوى قضائية ضد ولاية آركنسا بعد أن سُحب منها عقد إعلاني مع إحدى الجامعات عقابًا للصحيفة لرفضها التخلي عن حقها في مقاطعة إسرائيل. وفي تموز/يوليو 2022، حكمت محكمة الدائرة الثامنة، وهي أعلى محكمة تنظر في القضية، ضد الصحيفة، ومنعتها حقَّها في المقاطعة. وهذا الحكم، الملزم لولايات آركنسا وأيوا ومينيسوتا وميسوري ونبراسكا ونورث داكوتا وساوث داكوتا، هو نذير لِما قد يأتي.
يُمثل النظام الإسرائيلي رأس حربة في حملة الانتشار المستمر لمشاريع قوانين مناهضة المقاطعة، الذي وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرًا بأنه "جزء من حملة عالمية متنامية" ضد المدافعين عن حقوق فلسطين. فعلى مدار السنوات الأخيرة، نجحت إسرائيل في القفز على قوانين التدخل الأجنبي الأمريكية من خلال إنشاء منظمات غير حكومية تقوم من خلالها بتحويل ملايين الدولارات إلى جماعات أمريكية لتدعو بعد ذلك إلى سنّ تشريعات مناهضة لحركة المقاطعة. ولكن النظام الإسرائيلي ليس بمفرده. فالحرب على حملات مقاطعة إسرائيل يقودها المشرِّعون الرجعيون ومجموعات المصالح المنخرطة بلا كلل في تقويض مبادئ الديمقراطية السليمة. والجهود المبذولة لمنع الحق في المقاطعة ليست حكرًا على حزب دون الآخر، بل يمارسها كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري.
يستطيع القضاء أن يضطلع بدورٍ فعّال في التصدي لمحاولات تقييد الحقوق المحمية دستوريًا، بيد أن على المواطنين الأمريكيين ألا يعتمدوا على القضاء وحده لحماية الحريات المدنية. فبالرغم من أن 59 فقط من أصل 261 مشروع قانون مناهض للمقاطعة أُجيز على المستوى الولائي والمستويات المحلية، إلا أن اللوبي المؤيد لإسرائيل آخذٌ بالتكيف. وطالما ظلت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات تتعرض للهجوم، فإن الحق في ممارسة المقاطعة كأداة للدعوة والمناصرة في إطار طائفة من القضايا سيظل يتعرض لهجوم. أي أن الحملة المستمرة على حرية المقاطعة لها تداعيات أوسع حتى على المواطنين الأمريكيين الذين لا يدعمون حركة المقاطعة.
بل إن ولايات عديدة استخدمت بالفعل تشريعات مناهضة المقاطعة لاستنساخ "قوانين مقلدة" من شأنها أن تُجرِّم المقاطعة وأشكال الاحتجاج، مثل منع الشركات من مقاطعة صناعات الوقود الأحفوري والأسلحة. منذ عام 2017، سَنَّت 38 ولاية قوانين مناهضة للاحتجاج، غالبًا كردة فعل على حركة حياة السود مهمة والمتظاهرين البيئيين. وتزيد القيود المشددة المفروضة على التصويت في الولايات المتذبذبة الرئيسية من الصعوبة التي يواجهها المواطنون الأمريكيون في أداء واجبهم المدني. ونتيجة لذلك، يُستَهدفُ الناشطون السود وغيرهم من المجتمعات المحرومة بشكل غير متناسب.
إن الاستعداد للدوس على حقوق الفلسطينيين وحلفائهم يفتح الباب أمام هجوم أكبر على المجتمع المدني والمبادئ الأساسية للديمقراطية السليمة. ولذلك فإن من الضرورة بمكان زيادة الوعي وتعبئة التحركات الشعبية الهادفة إلى الضغط على المشرعين وتطوير ضوابط أقوى لهذا النظام المعيب. وعلى وجه التحديد:
- ينبغي لأعضاء الكونجرس أن يضطلعوا بواجبهم الدستوري في الدفاع عن حقوق المواطنين الأمريكيين، بما فيها الحق المكفول بموجب التعديل الأول في المشاركة في المقاطعات السياسية. وهذا يقتضي التصويت ضد مشاريع القوانين الفيدرالية المناهضة للمقاطعة.
- ينبغي للناشطين والمدافعين عن الحقوق المدنية والمواطنين الغيورين أن يتصلوا بممثليهم للتعبير عن معارضتهم للقوانين التي تقيد حقهم في المقاطعة. وينبغي أن يبينوا لهم الطبيعة المتداخلة لهذا الاعتداء السافر على حرية التعبير الاجتماعي والسياسي، والتنظيم مع المجموعات الأخرى المتضررة بالتشريعات المستنسخة.
- بالنظر إلى أن العمال في الولايات المتحدة آخذون بالانضمام إلى الاتحادات والنقابات بوتيرة غير مسبوقة منذ عقود، فإنه ينبغي لمنظمات المجتمع المدني أن تعمل على إعداد النقابيين، قادةً وأعضاء، للتعبئة الجماعية ضد محاولات أرباب العمل لإلغاء الحقوق المحمية دستوريًا. فينبغي إعداد الدورات التدريبية وتقديم الإحاطات لقادة النقابات لدمج حق المقاطعة صراحةً في مطالبهم العمالية وتقديم الدعم للعمال الفلسطينيين أو المؤيدين لفلسطين الذين يُستَهدَفون بسبب مشاركتهم في المقاطعات أو غيرها من أشكال الاحتجاج السياسي.
- ينبغي للناشطين والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية تنسيق الجهود لإنتاج مواد إعلامية للحملات العامة التي تهدف إلى زيادة الوعي العام وتزويد المواطنين الأمريكيين بأدوات للدفاع عن حقوقهم المحمية دستوريًا.