قبل ثلاثين عامًا، تم خلق ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط في مدريد، وبدلاً من تحقيق مستقبل عادل وسلمي في فلسطين المستعمرة من خلال المفاوضات الثنائية بين ممثلون من الإسرائيليين والفلسطينيين، عززت عملية السلام واقعًا مؤلمًا للفلسطينيين في ظل احتلال دائم من قبل قوة عسكرية نووية تعمل لتوسيع مشروعها الاستيطاني الاستعماري.
إن فكرة المفاوضات الثنائية المباشرة في إطار احتلال عسكري هو أمر جائر تمامًا، ولا يؤدي إلا إلى ترسيخ أجندة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية وهيمنتها على الفلسطينيين. وفي سياق النضال التحرري الاحتلال العسكري، إن إطار التفاوض الليبرالي سيفشل لأن عملية السلام:
-
تفتقر إلى شروط مرجعية متبادلة، كما لا تقوم على حسن النية
دعت الولايات المتحدة كلا الطرفين إلى مدريد على افتراض أنهما سيلتزمان بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، والذي حدد معايير "حل الدولتين." ومع ذلك، لم يكن حل الدولتين هو الأساس الذي يعمل من خلاله الممثلون الإسرائيليون، والذين تصوروا شكلاً محدودًا من الحكم الذاتي الفلسطيني حيث تواصل إسرائيل توسعها الاستيطاني الاستعماري. فحتى يومنا هذا، لم تعترف إسرائيل بوجود الفلسطينيين كمجموعة وطنية، والتي من شأنها أن تعترف بحقهم في تقرير المصير.
وفي هذا الإطار، تم تصميم السلطة الفلسطينية لكي تضطلع بمكافحة التمرد وتهدئة الفلسطينيين والسيطرة عليهم بدلاً من قيادتهم نحو الحرية والسيادة. وهكذا استبدلت منظمة التحرير الفلسطينية النضال التحرري الفلسطيني بشكل محدود من الحكم الذاتي داخل الوطن، المحاصر بالكامل والمعتمد على إسرائيل. وبالتالي، فإن خيار إقامة دولة فلسطينية لم يكن مطروحًا أصلًا، تمامًا كما حرصَ إطار المفاوضات.
-
غير متوازنة، ولا تستند إلى جدول زمني واضح
استفادت إسرائيل من فترة انتقالية للمفاوضات كعملية دائمة، أي أنه بدون جدول زمني واضح أو حوافز لإسرائيل للتنازل عن أي من قضايا "الوضع النهائي،" ركزت إسرائيل على استغلال الفترة الانتقالية، وإطالة المفاوضات كعملية دائمة، مما سمح لها بمواصلة بناء المستوطنات غير القانونية.
ومن جانبهم، كان المفاوضون الفلسطينيون غير مجهزين وغير مهيئين لضمان تلبية أي من مطالبهم. فيروي رسام الخرائط الفلسطيني خليل تفكجي في كتابه كيف حاول أن يفضح حقيقة المفاوضات لرئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية: "لا أعرف مَن وعدكم بأن تكون لكم دولة، لكنني أتحدث انطلاقًا من الخرائط، والخرائط تقول أنه لا توجد دولة فلسطينية."
-
تفتقر إلى وسيط نزيه أو آلية للمساءلة
لقد تولت الولايات المتحدة دور الطرف الثالث الوسيط في عملية السلام، رغم أنها لا يمكن أن تكون صادقة أبدًا بالنظر إلى سجلها الطويل في تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي غير المقيد لإسرائيل. ولم تفشل الولايات المتحدة فقط في تحميل إسرائيل المسؤولية عن انتهاكاتها المستمرة والجسيمة للقانون الدولي وجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، بل وإنها استخدمت أيضًا حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا لمنع الآخرين من القيام بذلك.
إن وجود عملية غير محددة المدة وغير مبنية على أساسٍ راسخ في القانون الدولي، ولا تنطوي على نتيجة واضحة ومنصفة للفلسطينيين، وتفتقر إلى طرف ثالثٍ وسيط غير متحيز أو آلية للمساءلة، يصب في مصلحة إسرائيل في المقام الأول، ولا يحقق شيئًا يذكر على صعيد حماية الفلسطينيين.
توصيات
ولضمان استمرار هذا الوضع في سياق عملية السلام، تتبع إسرائيل ثلاث استراتيجيات: استحداث الوقائع على الأرض، والتلاعب بالرواية ولوم الضحية، والتنمر على المجتمع الدولي. والوقائع على الأرض تشمل فصل القدس عن الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين قسرًا، وتشجيع النمو السكاني عند المستوطنين.
أتقنت إسرائيل كذلك أسلوب التلاعب بالرواية، واستطاعت أن تلوم الفلسطينيين على فشل المفاوضات والعنف المُمارس عليهم. وأخيرًا، تتنمر إسرائيل على المجتمع الدولي عند كل احتجاج على انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين. فشنّت حملةً واسعة النطاق لنزع الشرعية عن نضال الفلسطينيين من أجل حقوقهم، وللإفلات من المساءلة عن انتهاكاتها.
لكسر هذه الحلقة، يجب على المجتمع الدولي أن:
- يُدركَ أن إطار عملية السلام في الشرق الأوسط لا طائل منه وغير مناسب، وأن يركِّز عوضًا عن ذلك على عمليةٍ سياسية تتمحور حول إعمال حقوق الإنسان للجميع.
- يدعمَ جهود الشعب الفلسطيني لاستعادة نظامه السياسي، بما في ذلك دعم انتفاضة الوحدة الأخيرة.
- يدعمَ الفلسطينيين في إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وتحويلها إلى حركة تحرير ذات حضور دبلوماسي حول العالم. وهذا يشمل دعم التنازل عن اتفاقات أوسلو، وإزالة السلطة الفلسطينية.
- يحمِّلَ إسرائيل المسؤولية عن انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي، بما فيه القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
- يرفضَ الخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية والإرهاب.
- يرفضَ اتفاقات التطبيع المبرمة بين إسرائيل والدول العربية كوسيلة للحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة.