Article - After Trump’s Jerusalem H-Bomb: Weighing Options for Palestinians

تستمر المظاهرات حول العالم في الخروج احتجاجًا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، والذي تغاضى ترامب بموجبه عن تفاصيل مثل الحدود – وعن القانون الدولي نفسه – وكرر التزام الولايات المتحدة الأجوف المعهود ببذل الجهود للتوصل إلى “اتفاق سلام دائم.”1

إن من السهل أن ييأس المرء إذا ما نظرنا إلى فظاعة سياسات ترامب بشأن القدس والحقوق الفلسطينية عمومًا، وإلى وتيرة إدارته المسرعة باتجاه تمزيق حقوق الإنسان والحقوق البيئية في الولايات المتحدة والعالم. بيد أنه من الأهمية بمكان أن نتذكر في مثل هذا الوقت الاتجاهات الأطول أجلا التي تصب في مصلحة الفلسطينيين، وأن نضع الحركة الوطنية الفلسطينية في موقع يؤهلها لتحقيق المنفعة القصوى على المستويين السياسي والمدني.

مسار إسرائيل الطويل نحو الانكشاف

تُعزى العديد من الاتجاهات التي تصب في مصلحة الفلسطينيين إلى أن إسرائيل تبالغ في أهدافها. فقد انتصرت في معارك كثيرة ولكنها لا تستطيع أن تكسب الحرب. ولعل هذا ضربٌ من التمني نظرًا للقوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الهائلة التي تجعل من إسرائيل قوةً إقليمية عظمى. ولكن إذا ما نظرنا في مسارها، نجد أن انتصارها في العام 1967 كان سيمكنها من تحقيق السلام مع العرب بشروطها على الأراضي التي استعمرتها في العام 1948 البالغة مساحتها 78% من فلسطين، وكان سيمكنها من دفن القضية الفلسطينية إلى الأبد.

وبدلا من ذلك، مضت إسرائيل في المسار الذي رسمه الصهاينةُ المتشددون في القرن العشرين الذين عزموا على استعمار الأرض وانتزاع ملكيتها لضمان أقل عدد من السكان الفلسطينيين الأصليين وأكثر عدد من اليهود. وكما قال موشيه دايان في العام 1950 عن الفلسطينيين المائة والسبعين ألفًا الذين استطاعوا البقاء في ما بات يُعرف بإسرائيل عام 1948 بعد تهجير 750,000 لاجئ: “آمل أن تسنحَ إمكانيةٌ أخرى في السنوات المقبلة لنقل هؤلاء العرب إلى خارج أرض إسرائيل”. وأصبح دايان بطلًا حربيًا إسرائيليًا في العام 1967 حين أجبر قرابة 450,000 فلسطيني على اللجوء.

بدأت إسرائيل ببطء في العام 1967 في استعمار الأرض المحتلة حديثًا، ولكن الوتيرة تسارعت بسرعة فائقة منذ توقيع اتفاقات أوسلو في عام 1993 التي هدفت ظاهريًا إلى تحقيق السلام، وأسفرت تلك الحملة المسعورة عن توطين نحو 600,000 مستوطن في 200 مستوطنة تقطع أوصال الضفة الغربية وتفصل الفلسطينيين عن بعضهم. تنص خطة إسرائيل الشاملة للقدس بصراحة على نسبة 30:70 التي ترتأيها لليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين بعد تقليص أعداد سكان القدس الشرقية.

لقد بات القادة الإسرائيليون يظنون بسبب “نجاحهم” في تلك المساعي أنه ما من داعٍ لإخفاء طموحاتهم، وباتوا يتغنون بأهدافهم في العلن، بما فيها خططهم لتهجير المزيد من الفلسطينيين والتمييز ضد مَن يبقون. وقد ارتفع عدد القوانين التي تميز ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من نحو 50 قانونًا إلى قرابة 70 قانونًا في السنوات القليلة الماضية.

تُعزى العديد من الاتجاهات التي تصب في مصلحة الفلسطينيين إلى أن إسرائيل تبالغ في أهدافها Share on X

تتعامل الهيئات الرسمية والمنظمات اليمينية على السواء وعلى نحو متزايد بمعاملة مماثلة مع اليهود الإسرائيليين المدافعين عن حقوق الإنسان بغض النظر عن الدين أو العرق. ومن ذلك الهجمات التي تتعرض لها منظمة كسر الصمت، وهي منظمة غير حكومية تُعين الجنود الإسرائيليين على الجهر بما يُجبَرون على ارتكابه بحق الفلسطينيين أثناء خدمتهم العسكرية. وحملةُ وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، لقمع جمعية حقوق المواطن في إسرائيل هي مثالٌ آخر. يعرض كتاب ماكس بلومنتال “جالوت: الحياة والكراهية في إسرائيل الكبرى” تاريخ إسرائيل المتزايد في وحشيته منذ القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر، وهو كتابٌ لا غنى عن قراءته للمهتم في هذا الشأن.

إن مكانة “النور للأمم” التي تتمتع بها إسرائيل باعتبارها “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط قد انتهت منذ زمن بعيد، حيث إن المشروع الاستيطاني، وانتهاكه الصارخ للحقوق الفلسطينية، يُعرِّض مسعى إسرائيل الأساسي لإقامة دولة يهودية للخطر. وبات الكثيرون يستخدمون مصطلح الأبرتهايد والفصل العنصري لوصف ما يجري للفلسطينيين في الأرض المحتلة، بما في ذلك شبكات الطرق المنفصلة، ونظم العدالة المتباينة، والقيود الشديدة على إمكانية الحصول على موارد المياه والأرض وحتى الطيف الكهرومغناطيسي.

وعلى نحو متزايد، يُجبر الوضعُ في الأرض الفلسطينية المحتلة الدولَ ودعاةَ المجتمع المدني على أخذ ما يحدث – وما حدث – للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في عين الاعتبار. وحين تقول رئيسة مكتب نيويورك تايمز السابقة في القدس جودي رودورين، الحذرة والحريصة في تقاريرها، إن مصطلح الأبرتهايد أو الفصل العنصري هو أدق وصفًا لمعاملة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، يكون من الواضح أن الطبيعة الحقيقية للمشروع الصهيوني قد خرجت إلى السطح. والدليل كامنٌ في استحالة أن تفضِّل الدولة مواطنيها اليهود دون أن تميز بحق مواطنيها “غير اليهود”. فمَن له وجه الآن ليدافع عن إسرائيل كدولة ديمقراطية؟

لقد أفضى هذا الواقع إلى ما يُعدُّ ربما أبرزَ اتجاه بعيد الأجل في هذا الصراع، وهو تحول وجهات نظر اليهود الأمريكيين. فثمة الآن نسبةٌ صغيرة، ولكن متنامية باطراد، من اليهود الأمريكيين العاملين من أجل حقوق الإنسان في حركة التضامن الفلسطينية. تقود هذا التحولَ منظمةُ الصوت اليهودي من أجل السلام التي تدعم الحقوق الفلسطينية كما حددها الفلسطينيون أنفسهم في النداء الصادر في 2005 لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى تنصاع للقانون الدولي، والتي تضطلع بدورٍ استراتيجي رئيسي في الحركة الأمريكية من أجل الحقوق.2

معاملة اليهود الأمريكيين كيهود من الدرجة الثانية هو خطأ استراتيجي فادح من جانب إسرائيل Share on X

يُعزى ثاني أبرز التحولات وأحدثها في المجتمع اليهودي الأمريكي إلى تجلي التوترات الكامنة بين إسرائيل واليهود الإصلاحيين والمحافظين الذين يشكِّلون ثلثي اليهود الأمريكيين. وهناك مقالات وتحليلات غزيرة حول هذه القضية تبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاءه يراهنون على اليهود الأرثوذكس في الولايات المتحدة ويهمِّشون البقية، بل ويعاملونهم كأنهم يهود من الدرجة الثانية. وهذا خطأ استراتيجي فادح من جانب إسرائيل لأن اليهود الأمريكيين يساهمون مساهمةً كبيرة في القضايا الخيرية وفي السياسة العامة والخطاب السائد. وبعزل هذه القاعدة الجماهيرية المهمة – حتى وهي تنفق الملايين للتحكم في الخطاب والخلط بين النقد الموجَّه لإسرائيل والمشروع الصهيوني السياسي ومعاداة السامية – فإن إسرائيل تُسرِّع وتيرة التغيرات في الولايات المتحدة التي من شأنها أن تقوِّض الدعم السياسي التلقائي والمعونة العسكرية الضخمة التي تتلقاها وتفتح الباب لدعم التيار السائد للحقوق الفلسطينية والاقتناع بالرواية الفلسطينية.

النضال الفلسطيني المتجدد

تطور النضال الفلسطيني بموازاة المسار الإسرائيلي. فبعد ثلاثين عامًا على سحق الثورةَ الفلسطينية 1936-1939 من أجل الحقوق والحرية على يد الحكامِ الاستعماريين البريطانيين، وبعد 20 عامًا على نكبة فقدان أربعة أخماس أرض فلسطين في 1948 وتشتت أربعة أخماس شعبها، صعد نجم منظمة التحرير الفلسطينية وما لبثت أن أصبحت قوةً لا يُستهان بها. غير أن الهجمات الإسرائيلية-العربية المتكررة على منظمة التحرير، إلى جانب الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها قادتها، أدت إلى ضربة شبه قاصمة مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 ونفي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت التي كانت آخر قواعدها المتاخمة لإسرائيل.

غير أن النضال الفلسطيني اتخذ شكلاً جديدًا في غضون خمس سنوات فقط مع اندلاع الانتفاضة الأولى، الانتفاضة اللاعنفية التي تصدَّرها قادةٌ محليون في الأرض الفلسطينية المحتلة. أخرجت الانتفاضة الفلسطينيين إلى الساحة العالمية ووضعتهم على مقربة من تحقيق أهدافهم، بالنظر إلى التزام إدارة جورج بوش الأب بضمان اتفاق عادل في أعقاب حرب الخليج الأولى عام 1990. ولكن المفاوضات السرية التي عقدتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل وأفضت إلى اتفاقات أوسلو بددت للأسف مصادرَ القوة الفلسطينية الثمينة، والتي انطوت على حركة تضامن عالمي ودعم من العالم الثالث.

وعلى الرغم من هذه الانتكاسات، الفلسطينيون صامدون. فقد اتسم النضال الوطني منذ 1948 بآداب وفنون وأفلام وثقافة مزدهرة عززت الهوية الفلسطينية ورسختها. وفي هذا الصدد، كتب ستيفن سلايطة في مقال صدر مؤخرًا: “لا شيء يهدد إسرائيل أكثر من استمرار الهوية الفلسطينية عبر الأجيال المتعاقبة”. وعلى الرغم من حالة الفوضى والبلبلة التي تعيشها القيادة الوطنية الفلسطينية، إلا أن القضية الفلسطينية تحظى بدعم حركة تضامن عالمية تعززها وتنضوي تحتها حركةُ المقاطعة الفلسطينية. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حشدت إسرائيل ومؤيدوها كل قواهم في سبيل محاربة هذه الحركة سعيًا لاستعادة التفوق والسيطرة على الخطاب، ولكن الحركة لا تزال نابضة ونشطة.

لقد كان من الأسهل كثيرًا على إسرائيل لو أبرمت اتفاقًا مع الأردن ومصر وسوريا في 1967 بدلًا من أن تقامر بالاستحواذ على كل شيء وتتعامل مع حركة فلسطينية متنامية ومتجددة باستمرار تسعى لاسترجاع الحقوق.

الخيارات الفلسطينية في النضال من أجل الحقوق

ما هي الخيارات المتاحة للفلسطينيين في ضوء ما تقدَّم؟ لا شك في أن الفترة الحالية حُبلى بمخاطر كبيرة بالنسبة للفلسطينيين. فقد أخذت الحركة الاستيطانية الضوءَ الأخضر من ترامب الذي لم تطاوعه نفسه ليقول “الدولة الفلسطينية” في بيانه حول القدس، حيث قال إن السلام “ينطوي على… حل الدولتين،” وما لبث أن اشترط مباركة إسرائيل عليه بقوله “إذا وافق عليه الجانبان”.

الخوف الأكبر هو على القدس ذاتها – المقدسيون الفلسطينيون والمسجد الأقصى. فثمة مخاوف جدية من أن تُسرِّع إسرائيل وتيرة تهجير الفلسطينيين وانتزاع ممتلكاتهم باستخدام أساليب بيروقراطية كثيرة أتقنتها على مر السنين، وباستخدام الجرافات وآليات التدمير الهدم. وعلى الرغم من حديث ترامب عن الاستمرار في “دعم الوضع الراهن” في الأماكن المقدسة في القدس، فإن حركة أمناء جبل الهيكل التي تنوي بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى لا تتورع عن الضرب بكلامه عرضَ الحائط.

هناك أيضًا تخوفٌ كبير من “الرباعية العربية” – السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر – وزعيمها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يدعم خطة الضم الأمريكية الإسرائيلية والذي عرض على الفلسطينيين، بحسب التقارير، إقامة عاصمة في أبو ديس، إحدى ضواحي القدس التي يفصلها عن المدينة الجدارُ غير القانوني الإسرائيلي المقام في معظمه داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، والذي يفصل التجمعات الفلسطينية عن المستوطنات الرئيسية وعن بعضها. ومن ناحية أخرى، فإن قدرة الرباعية العربية على تحقيق النتائج موضع شك. فقد بالغَ بن سلمان نفسه في الأهداف التي يريد تحقيقها في إطار حربه على اليمن، وقمع الأمراء، والمحاولة الفاشلة لإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة في محاولة لإضعاف حزب الله اللبناني المتحالف مع إيران وسوريا.

وهكذا وَقَع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موقفٍ لا يحسد عليه البتة. فإنْ رفض ضغوط القوى المصطفة ضده، سيفقد المعونة الأمريكية والكثير من المساعدات العربية، والتي لا يمكن من دونها دفع أجور موظفي القطاع العام، وسيتضرر نحو 1.5 مليون شخص. وإنْ رضخ لها، سيُضطر إلى التنازل عن الحقوق الفلسطينية. غير أن عدو عباس اللدود ورئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق محمد دحلان، المقيم في كنف الإمارات، يتربص وهو مستعد على الأرجح للتنازل.

الخوف الأكبر هو على القدس ذاتها - المقدسيون الفلسطينيون والمسجد الأقصى Share on X

إن الثمن الباهظ المترتب على تحدي المجتمع الدولي واضح في قطاع غزة، حيث رفضت حماس الاعتراف بهزيمتها أو التخلي عن أسلحتها. إن التكلفة التي ما برح الفلسطينيون يتحملونها في غزة على مدى العقد الماضي مرتفعة بالفعل. ومن بين الشائعات السارية حول التسوية النهائية التي ستفرضها إسرائيل والولايات المتحدة على الفلسطينيين، إشاعة نقل الفلسطينيين في غزة إلى صحراء سيناء المصرية، بعيدًا عن حدود وطنهم الأصلي (نحو 70% من الفلسطينيين المقيمين في غزة البالغ عددهم 1.9 هم لاجئون).

ومن ناحية أخرى، لن تخلو من الخيارات جعبةُ منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية والمجتمع المدني الفلسطيني المدعومين من حركة التضامن العالمي إذا وُجدت الرغبة في تجميع الموارد وتوظيف السُبل المتاحة كافة، كما يجب من أجل مواجهة هذا التهديد الكبير المحدق بالمسعى الفلسطيني لإحراز الحقوق. وعلى الصعيد الداخلي، لا بد من إبرام المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس. ومن الضرورة أيضًا تمكين النظام السياسي الفلسطيني من الحصول على الدعم من الدول العربية والآسيوية المختلفة، والتي يرتبط بعضها بصلات أوثق مع حزب معين دون الأحزاب الأخرى. ويجب الاستفادة من الصلات كافة الخاصة بحماس وفتح لتعزيز الموقف الفلسطيني سواء بالعمل معًا أو كلٌّ على حدة. ومن العلامات المبشرة أن عباس يعتزم دعوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية للانعقاد في جلسة طارئة تُدعى إليها “جميع الفصائل”.

ويجب كذلك إيجاد طرق لتقليص التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والتخلص التدريجي منه. وسيكون هذا صعبا جدًا بالنظر إلى التدابير التي يمكن أن تتخذها إسرائيل بحق الفلسطينيين وقيادتهم وعباس شخصيًا. فعلى الأقل، سوف تحد إسرائيل من قدرة عباس على التنقل والسفر إلى خارج الضفة الغربية. غير أن الخبرة حول قطاع الأمن متوفرة وهناك فيض من الأدبيات والكتابات بشأنها، بما فيها تحليلات سياساتية رصينة نشرتها الشبكة. وستكون هذه الخبرة متاحة للسلطة الفلسطينية إذا قررت أن تقلص مستوى التنسيق. وقد آن الأوان لتجاوز الدعوات المنادية بتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين، وتطوير استراتيجية متسقة لتأمين هذه الحماية.

يجب أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية أكثر نشاطًا على الساحة الأوروبية. فقد ظلت البلدان الأوروبية الملتزمة بالقانون الدولي متساهلةً مع إسرائيل إلى الآن. وبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي أكَّد في 2016 موقفَه المتمثل في اشتراط وضع علامات على منتجات المستوطنات للسماح بدخولها الاتحاد الأوروبي لكي يكون المستهلك على بينة وتكون له حرية الاختيار، فإن هذا الإجراءَ خجولٌ وليس فعالًا في نهاية المطاف. أما التحذيرات التي أصدرتها 18 دولة في الاتحاد الأوروبي للشركات إزاء المخاطر (القانونية والمالية والمتعلقة بالسمعة) المرتبطة بالتعامل مع الكيانات الاستيطانية فكان لها تأثيرٌ أكبر بيد أنها لم تُدرج في القوانين أو اللوائح المحلية.

لن يقبل الاتحاد الأوروبي وغالبية دوله الأعضاء أبدًا أن يوافقوا على الاحتلال الإسرائيلي، رغم سلوكهم الجبان. فنظام القانون الدولي الذي أنشئ عقب الحرب العالمية الثانية يمثِّل للأوروبيين ضمانةَ حمايتهم من حروب مدمرة أخرى. ولكي تنجح إسرائيل في إضفاء الشرعية على احتلالها، عليها أن تستمر في تقويض الإطار القانوني بأكمله. ولغاية الآن، استطاع الأوروبيون أن يغضوا الطرف ويبذلوا الحد الأدنى من الجهود على الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني، راضين بترك الأمر إلى الولايات المتحدة ليلعب دور الوسيط الصادق.

يجب أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية أكثر نشاطًا على الساحة الأوروبية Share on X

إن إعلان ترامب اعترافَه بالقدس، وما صاحبه من اعتداء على القانون الدولي، سيجبر الأوروبيين على تولي زمام الأمور ما لم يرغبوا في رؤية البناء المُحكم الذي بنوه ينهار من حولهم. وعلاوةً على ذلك، أصبحت مسألة الأرض المحتلة وضمُّها قضيةً شخصية بالنسبة إلى الأوروبيين منذ احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها سنة 2014. فلم يعد الأوروبيون، بعد فرض عقوبات على روسيا، في وضع يسمح لهم بالاستمرار في معاملة إسرائيل برفقٍ ولين بينما تسعى إلى شرعنة مشروعها الاستيطاني غير المشروع.

ينبغي لمنظمة التحرير الفلسطينية على وجه الخصوص أن تغتنم رفضَ الأوروبيين لاعتراف ترامب، وتشرعَ في حملة واسعة النطاق على صعيد العلاقات العامة والتواصل مع الحكومات الأوروبية والدبلوماسيين الأوروبيين. وينبغي أن تتخذ المنظمة موقفًا حازمًا وعازمًا وتدعو الدول الأوروبية إلى الاضطلاع بمسؤوليتها عن الالتزام بالقانون الدولي، وأن تصرَّ على دعمٍ ملموس لموقفها وخطواتها في مواجهة السرقات الإسرائيلية. تمتلك منظمة التحرير الفلسطينية دبلوماسيين محنكين قادرين على تحقيق ذلك – فمنهم مَن قاد القضية وكسبها ضد الجدار الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية سنة 2004.

تعمل إسرائيل في بقاع أخرى من العالم على نقض الشراكات والتحالفات التي أبرمتها فلسطين في العالم الثالث والتي كانت مصادرًا رئيسيًا للدعم في السبعينات والثمانينات. وقد نجحت في آسيا، ولا سيما في الهند، وكذلك في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولكن لم يفت الأوان ليتمكن الفلسطينيون من استعادة موقفهم وتعزيز هذه العلاقات، وعرض خدماتهم وصلاتهم حيثما أمكن. والأهم من ذلك، يجب على منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية أن تعملَ بجد لمنع دول أخرى من أن تحذو حذو ترامب وتعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل أو تنقل سفاراتها فعليًا إلى القدس، وهذا هو الأسوأ.

وفي هذا المسعى سوف تجد منظمة التحرير الفلسطينية الدعمَ من المجتمع المدني الفلسطيني وحركة التضامن العالمي، ولا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا وبشكل متزايد في أمريكا اللاتينية، وهذا سيُمكِّنها من الاستفادة من عشرات الآلاف من المؤيدين الذين يمارسون الضغطَ على ممثليهم السياسيين. وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، أنشأت حركة التضامن الفلسطيني العديد من المؤسسات القوية التي تُعلي الأصوات الفلسطينية والمؤيدة للفلسطينيين في وسائل الإعلام، وتقدمُ الدعم القانوني للطلاب والمدرسين الذين يُهاجَمون لجهرهم بالحق، وتدافعُ عن الحقوق الفلسطينية في الكونغرس، وتستقطبُ أعدادًا متزايدة من اليهود لينضموا إلى النضال المنادي بالمساواة في الحقوق للجميع.

ينطوي دور المجتمع المدني الفلسطيني والعالمي على مواصلة الضغط على إسرائيل والتصدي لمحاولاتها للسيطرة على الخطاب، وعلى إبقاء منظمة التحرير الفلسطينية على طريق الاستقامة والصدق. إن فِعلة ترامب قد تكون بمثابة الضربة القاضية للقضية الفلسطينية إذا لم يكن رد الفلسطينيين وحلفائهم متسقًا ومنسَّقًا. يستطيع الفلسطينيون وحلفاؤهم، إنْ أعملوا فكرهم في هذه القضايا وغيرها وطوروا الاستراتيجيات، أن يحولوا هذه المأساة إلى فرصة.

  1. تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الإيطالية أو باللغة الأسبانية، اضغط/ي هنا أو هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. لا بد من التشديد على الجزء الثاني من هذه الجملة نظرًا لسوء الفهم الذي يلف حركة المقاطعة. ينص نداء المقاطعة بوضوح على أن الحركة موجهة ضد سياسات إسرائيل وليس وجود إسرائيل، وحالما تتحقق أهداف الحركة – تقرير المصير والتحرر من الاحتلال وإحقاق العدالة للاجئين والمساواة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل – سوف ينتهي وجود حركة المقاطعة.
نادية حجاب هي الرئيسة الفخرية لشبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة" وأحد مؤسسيها. شغلت منصب المديرة التنفيذية في الشبكة في الفترة ما بين 2011 وآذار/مارس 2018. وهي...

أحدث المنشورات

لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
 المجتمع المدني
عكف الفلسطينيون منذ زمن على تأسيس اقتصاد مقاوم في إطار كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني. وتُعدُّ السيادة الغذائية اليوم امتدادًا طبيعيًّا لهذا النوع من المقاومة، حيث ترتكز إلى مبادئ الاكتفاء الذاتي الزراعي المُتبعة على مرِّ تاريخ الثورة الفلسطينية. يتتبع فتحي نمر في هذا الموجز السياساتي نشأةَ السيادة الغذائية والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون اليوم في تفعيلها على الأرض. ويرى أن ذلك سيساعد في تأطير الاقتصاد المقاوم ضمن سياق أنسب، وفي تمهيد الطريق نحو نظامٍ اقتصادي أشد مماحكةً.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 27 أغسطس 2024
Skip to content