لم تتراجع الولايات المتحدة أبدًا عن مساعدة إسرائيل عسكريًا، وحافظت باستمرار على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل فيما يتعلق بجيرانها. إن دراسة هذه الممارسة الطويلة الأمد في سياق اتفاقات التطبيع العربية الأخيرة مع إسرائيل، وكذلك في سياق تصاعد الدعم العالمي للفلسطينيين، يلقي الضوء على ديناميكيات جديدة تتكشف في قاعات الكونغرس الأمريكي وفي شوارع كبرى المدن الأمريكية.
وبالإضافة إلى المساعدات العسكرية، توسطت الولايات المتحدة استراتيجيًا في صفقات "سلام" بين الدول العربية وإسرائيل، وهي صفقات تتطلب من الحكومات العربية دعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا، أو على الأقل الامتناع عن إدانة أفعالها علنًا. وتلقت إسرائيل منذ عام 2001 أكثر من 63 مليار دولار من المساعدات الأمنية من الولايات المتحدة، وتم تمويل أكثر من 90% منها من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي التابع لوزارة الخارجية. وتوسطت الولايات المتحدة منذ عام 2020 في اتفاقات التطبيع - المعروفة باسم اتفاقات آبرهام - بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب.
ومع ذلك، يجب فهم هذه الاتفاقات في سياق التاريخ الطويل للمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل وحلفائها. فقد تم الاعتراف بالاتفاقات الموقعة مع البحرين والإمارات بصفتها صفقة أسلحة من الدرجة الأولى بين حكومتين خليجيتين للأسلحة الأمريكية. وأشارت الإمارات علنًا نتيجة لاتفاقات أبراهام إلى أنها تتوقع 50 طائرة مقاتلة من طراز F-35 و 18 نظام طائرات بدون طيار من طراز ريبر كجزء من صفقة الأسلحة البالغة 23.37 مليار دولار والتي وافقت عليها إدارة ترامب مقابل التطبيع.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تتعقب فيها الولايات المتحدة الأسلحة التي تذهب إلى أي وحدة عسكرية، مما يجعل من المستحيل عمليًا اشتراط المساعدة العسكرية لإسرائيل على أساس انتهاكاتها لحقوق الإنسان الدولية. وفي الواقع، تعمل المساعدات الأمريكية على دعم القوات الجوية الإسرائيلية، حيث توفر وقودًا بقيمة مليارات الدولارات في إطار برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية بين الحكومات. وأنفقت الولايات المتحدة منذ عام 2015 أكثر من 5.4 مليار دولار على وقود الطائرات ووقود الديزل والبنزين الخالي من الرصاص وطائرات التزود بالوقود في الجو، ومن المقرر أن ترسل الولايات المتحدة 3.3 مليار دولار عن طريق برنامج التمويل العسكري الأجنبي إلى إسرائيل طوال عام 2021، وهو ما وافق عليه الكونغرس على أساس الحزبين.
لكن بعد ممارسة إسرائيل التطهير العرقي للفلسطينيين في الشيخ جراح وبعد هجومها الشرس على غزة في أيار/مايو 2021 اتخذوا صانعي السياسة التقدميين في الكونغرس الأمريكي على الفور إجراءات لوقوف ووضع الشروط على المساعدات الأمريكية لإسرائيل. وفي 5 أيار/مايو، تم إخطار الكونغرس ببيع تجاري لأسلحة دقيقة التوجيه بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل، الأمر الذي بدأ فترة 15 يومًا قد يعترض فيها أعضاء الكونغرس على صفقة البيع. وبعد الهجوم على غزة، وفي نهاية فترة الـ 15 يومًا، اقترح العديد من النواب قرار مشترك في مجلس الشيوخ وقرار مشترك في مجلس النواب لوقف صفقة البيع، وفي 13 أيار/مايو، أعربوا علناً عن دعمهم للشعب الفلسطيني في الكونغرس، ودعوا إلى إنهاء تمويل العدوان العسكري الإسرائيلي. وفي 8 حزيران/يونيو، قدمت أكثر من 100 منظمة وطنية بارزة رسالة إلى الرئيس بايدن تحثه على منع البيع، حيث طالبه 73 ديموقراطيًا وسطيًا بتصنيف المستوطنات الإسرائيلية على أنها غير قانونية.
إن من الواضح أن الحال آخذةٌ بالتغير في الولايات المتحدة، فقد خرجت الحركات الشعبية الفلسطينية وعشرات الآلاف من أنصار فلسطين إلى الشوارع في جميع أنحاء المدن الأمريكية الكبرى، احتجاجًا على استخدام النظام الإسرائيلي غير المتناسب للسلطة ودعوا إلى الحرية للشعب الفلسطيني. وأظهر استطلاع أجراه مجلس شيكاغو في آب/أغسطس 2021 أن 50% من الأمريكيين يفضلون تقييد المساعدات العسكرية لإسرائيل في العمليات التي تستهدف الفلسطينيين، مقابل 45% يعارضونها. أمّا الديمقراطيون فيؤيدونها بأغلبية كاسحة بنسبة 62%.
من أجل اغتنام هذه اللحظة التاريخية في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين:
- يجب على النشطاء وجماعات الضغط أن يضغطوا على صناع القرار والمجتمع الدولي لتقييد المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، بما في ذلك من خلال العقوبات. يجب أن يدعموا التشريع الذي يفرض الشروط على المساعدات لإسرائيل، وعليهم أن يُطالبوا بتشريع يتتبع إنفاق ميزانية إسرائيل العسكرية. ويجب عليهم تعزيز المجموعات الشعبية والمنظمات غير الحكومية المكرسة بالفعل لهذا العمل.
- يجب على النشطاء وجماعات الضغط وصانعي السياسات دعم حركة مقاطعة إسرائيل، وهي جزء من استراتيجية أكبر لمحاسبة المؤسسات والشركات المتورطة في صفقات الأسلحة مع إسرائيل.
- يجب على صانعي السياسات الدوليين تعزيز الحركة المتنامية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المستمرة من خلال تشريعات وشراكات تحميها وتثني عليها وتمولها.
- يجب على صانعي السياسات في الولايات المتحدة رفع ودعم أصوات المواطنين الأمريكيين الذين يدعون ممثليهم للمطالبة بإنهاء الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.
- يجب على صانعي السياسات الدوليين معارضة والمطالبة بإلغاء القوانين المناهضة لحركة مقاطعة إسرائيل التي تقضي وتنزع الشرعية عن الانتقاد لإسرائيل، وخاصة في الولايات المتحدة.